تزوير الانتخابات أهون من قتل الناخبين

يأخذ علينا البعض انحيازنا إلى الإصلاح في الأردن وفي المحيط العربي، ويتهمنا المتوترون والمكبوتون والذين فضحتهم جرأة المظلومين بأننا ننفذ أجندة أميركية وصهيونية لأننا ننشر ما يزعج أنظمة حكم اختارت المواجهة مع شعوبها، وقررت تأكيد شرعيتها بالدبابات والقناصة والشبيحة.اضافة اعلان
ويستهدفنا إعلام الأنظمة الرديء الذي يخوض الآن معركته الكبرى في الدفاع عن الأكاذيب التي ضللت ملايين العرب في السنوات والعقود الماضية، والشعارات التي أضاعت فرص الإنجاز، والمواقف المناقضة للشعار، وهي المواقف التي هدرت دم الناس وأراقت ماء الوجه العربي أمام العالم.
نقبل النقد لأننا نؤمن بالاختلاف كدافع ومحفز للتغيير والتطور. وندرك أهمية الحوار في المجتمعات الحية، لكننا لا ننحدر إلى مستوى الشتائم والاتهامات الانطباعية المدفوعة بأحقاد ومصالح شخصية نعرفها جيدا ونربأ عن تناولها انسجاما مع مستوى خطابنا واحتراما لذائقة قرائنا.
احترمنا خطابنا وقارئنا في تناولنا للحراك الإصلاحي في بلدنا، وانحزنا للإصلاح باعتباره مطلب الشعب والنظام، وهو طريق سيظل مفتوحا رغم العراقيل والصعوبات ومحاولات قوى الشد العكسي عرقلة التطوير والتحديث في حياتنا السياسية. ولم نتراجع لحظة عن موقفنا الناقد بموضوعية  للرؤية المحافظة المنحازة للحل الأمني، والمعارض بقوة للاعتداء على المشاركين في الاعتصام السلمي سواء في دوار الداخلية في 24 آذار (مارس) أو في ساحة النخيل في 15 تموز (يوليو).. وكنا وما نزال واضحين في هذا الموقف، وفي تصدينا للفساد ورموزه وأدواته.
واحترمنا خطابنا وقارئنا في تناولنا لوقائع الثورات العربية في سورية وليبيا واليمن، وقبل ذلك في مصر وتونس. وانحزنا إلى حق الناس في الخبز والحرية والكرامة، وإلى حق الناس في الحياة. لكن البعض يستكثر هذا الحق على الناس، ولا يؤمن بأننا أمة تدافع عن كرامتها، وأن العرب يساوون بين أرواحهم وحريتهم، بل يقدمون الثانية على الأولى. لذا يلجأ المشبوهون إلى التشكيك في دوافع الثورات العربية ويحيلونها إلى مؤامرة أميركية صهيونية تستهدف القضاء على المقاومة والممانعة، وعلى ما يمثله النظام الحاكم في سورية من رعاية للمقاومات العربية، وصمود وتصد لمشروع الهيمنة الأميركية في المنطقة!
بالطبع، لا يوحي واقع النظام الحاكم في دمشق بتمثله لهذا الدور، أما تاريخه فإنه يجسد بشكل فاضح عكس هذه الإشاعة، فهو النظام الذي ضرب المقاومة الفلسطينية في أكثر من مناسبة، وأحيانا بلا مناسبة. وهو النظام الذي شارك في حفر الباطن دعما للعدوان الأميركي على العراق، رغم شعاره المرفوع وقناعته المعلنة بأن الأمة العربية واحدة وذات رسالة خالدة. وهو، قبل وبعد كل ذلك، النظام الذي يصفي حسابه مع المعارضة بالقمع والقتل وإبادة الأحياء في المدن الكبيرة. ولا نقصد هنا المعارضة التي خرجت من تحت إبط النظام نتيجة خلافات على اقتسام الغنائم مثل عبدالحليم خدام وأولاده ورفعت الأسد وأنجاله، بل نقصد القوى الحية في المجتمع السوري والبسطاء الذين يكدون من أجل لقمة العيش.
لا نخضع للضغط ولا نخرج من صفوف الناس لنشارك في الرحلات السياحية إلى فندق الشام، ولا نكترث للشتائم والاتهامات المضحكة بخدمة المشروع الأميركي الصهيوني. لكن ما يحزننا أن ينخرط في جوقة مداحي القمع نفر من الذين كانوا في صدارة المسيرات والاعتصامات المطالبة بالإصلاح في بلدنا.. لهؤلاء نقول: إن تزوير الانتخابات أهون كثيرا من قتل الناخبين.