تسلية المواقع الإلكترونية!

كيف تحوّلت قضايا البلاد "الجادّة" فجأة إلى تسلية المواقع الإلكترونية؟ هذا هو السؤال المفتوح إلى حين!
فموقع "يوتيوب" الذي يقوم بتحميل ملياري فيديو قصير في اليوم، يزداد امتلاء كل ساعة بمقاطع وافرة عن الأردن؛ منها الموضوعي الذي يُدرج ضمن سقف الحُريّات العامّة وحقوق الإنسان، ومنها ما يتناول ويُشرّح الأساسيّات، مقدّما نفسه مرجعيّة؛ فيتعرّض لمؤسسات مُهمّة مثل التعليم والصحّة والتشريع والإدارة العامّة وغيرها. اضافة اعلان
باختصار، يشهد المراقب حالة من انتقال ساحات معارك عديدة إلى جهاز الحاسوب، هي في معظمها هجوم على مؤسسات الدولة وشخصيات فيها، كما على كيان الدولة ونسيجها. وهذا ليس انطباعا بل حقيقة. ولا أكتب لأدافع عن مؤسسات الدولة، فهذا الأمر سيبقى منوطا بأفعالها الواقعيّة! بل أريد أن أنقل فقط إحساس مواطن أصبح الهمٌ لديه همّين؛ من الواقعين العادي والافتراضي معا! وهذا كثير.
"تسلية" المواقع الإلكترونية أصبحت تسلية قاسية وشريرة! فبعضها يتداول قضايانا الجادة وهمومنا بسفاهة، ويقوم بتصوير لحظاتنا ببشاعة. كما يتلاعبُ بمزاجنا، ويرقص على حبال تناقضاتنا، ويسخر من هويتنا! لا بل يقدّم مأكلنا ومشربنا ولغتنا، وحتى شكلنا، كحالة مُتخلّفة؟
هذا الموّال لا يُسلّينا! إنّه فقط يزيد من عذاباتنا. فمن قال إن هناك عالمين؛ واحد خارج جهاز الكومبيوتر، والثاني داخله نفعل به ما نشاء؟!
لقد تتبعتُ عشرات القصص التي قيل إنها حدثت أو وقعت خلف كواليس مُفترضة، فتبين أن هذه "الشهادات" تعاني في إخراجها من عجز في التقصي، وفقر سافر في المعلومات، كما ينقصها الذوق! فهل "سيتشهّد" المرءُ خوفا على نفسه من الآن فصاعدا قبل أن ينخرط في العمل العام في الأردن؟
كيف يتمّ التحقيق في أكثر من حادثة تصوير وتسريب وتلاعب باجتماعات خاصّة في مجالس آمنة، شغلها كبار رجالات الدولة وكبار المُشرّعين؟ كيف نفهم وإلى أين يذهب انتشار الكاميرا الخفيّة بلا ضوابط قانونيّة؟ وما قصّة الرقابة المبالغ فيها على تطبيقات التكنولوجيا؟ هل تحوّلنا كلنا فجأة إلى "جيمس بوند"، وتحوّل المواطن والحراكي والسياسي والإعلامي والصحفي وموظّف الخدمة المدنيّة والنائب والوزير والمُحقّق إلى اقتحامي ليُقذف بالشرور إلى الإنترنت؟
وللتأكيد، فأنا لا أتحدث عن الحراك الإلكتروني؛ فهو بالضرورة جزء من منظومة الحرّيات. لكن ما لا يعنيني أن أشارك في مسلسل اختلاف الطرائق بنرجسيّة بعض الساسة على حساب فكر ومفهوم الوطن! ولو لم أكن أعمل في قطاع البرمجيات والتكنولوجيا، لقمتُ اليوم بقذف جهاز الكومبيوتر من النافذة؛ فقد أصبح تصفّحه مسألة معقدة ومريرة لي شخصيّاً، والمشهد عن بلادي أصبح غير مُسلّ.
يوجد اليوم 56 مليون مُستخدم لتطبيقات النشر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، هم متصفّحون محتملون لما نكتبه من مُزاح وتسلية وتواطؤ عن أنفسنا وعن الأردن، ممّا يُضيف حزنا وإحباطا آخرين إلى العمل العام، كما يضيفُ عبئاً (لم يتمّ قياسه بعد) على جهود الدبلوماسيّة، وعلى خطط الاقتصاد والتنمية والصحة النفسيّة والسياحة والاستثمار، التي كما تعتمد على المصداقية تعتمدُ على الطرح أيضا.
الشهادة على الملأ فضيحة، فما الحال بالشهادة المجروحة! وسأكتفي بطرح شعار جديد "لأمانة" جديدة هي اليوم في أعناقنا جميعا، سواء من خارج المؤسسة أو من داخلها: حافظوا على نظافة بلدكم، من داخل الكومبيوتر ومن خارجه أيضا!
* خبيرة في تكنولوجيا المعلومات