تشخيص ملكي لظاهرة "مقلقة"

مرة أخرى، وكالعادة، يضطر جلالة الملك لأن يتدخل في أمور تفصيلية بالشأن العام في كل مرة يتعرض فيها الوطن إلى أزمة ما أو تجتاحه مشكلة معينة... وهذه المرة يغادر التدخل الملكي مربع التوجيه العام، إلى التأشير وبلغة لم يسبقه بالوضوح أحد إلى ما يمكن أن يكون "لوثة" أصابت فضاءات النقاش العام.اضافة اعلان
يختصر جلالة الملك، في مقال لا يقل أهمية عن الأوراق النقاشية لجلالته، تشخيص مشكلة وظاهرة اجتماعية "مقلقة" على مواقع "السوشال ميديا"، التي تحولت، بفعل البعض غير المنضبط بلغة الحوار، إلى منصات للتناحر.
هذه الظاهرة، التي اقتربت إلى حدود الانفلات، خرجت على إطار النقاش والاختلاف الفكري المبني على حرية التفكير والتعبير، إلى أزمة اتصال وموجة انفعالية زائدة ركبها البعض لينتج حالة لم يتمخض عنها إلا "عدوانية وتجريح وكراهية وذم وقدح"، ناهيك عن أنها تتضمن "معلومات مضللة وإشاعات مغرضة".
والقارئ لمقال جلالته، يستطيع أن يخرج بنقاط رئيسة، أولاها أن جلالة الملك كان واضحا وصريحا في تشخيص الخلل المجتمعي والسلوك السلبي، والأهم الدعوة للتنبه له وإلى أين يذهب بنا كمجتمع، كنا نفاخر بوحدته وتماسكه وتكافل أفراده، وخشية وصول "السكين إلى العظم" إن لم نوقف التناحر الإلكتروني.
النقطة الرئيسة الثانية، هي اضطرار جلالته للتدخل دوما عند حدوث كل أزمة أو مشكلة أو انفلات مجتمعي يؤثر سلبا على المجتمع وأبنائه أو حتى زعزعة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، فقد كان تدخله في النقاش العام بين الأردنيين واضحا بغية منع انجراف أو انحراف كرة الثلج بشكل أكبر وبسرعة أكثر، والتي يدفع بها قلة إلى ما لا تحمد عقباه.
ثالث تلك النقاط، هي الحاجة الملحة لتطوير التشريعات الوطنية، شريطة صون وحماية حرية التعبير، والقضاء على الإشاعات والأخبار المضللة في الوقت نفسه. والمعلوم أن ذلك لا يتم إلا من خلال إعلام حر وصحافة مستقلة مسؤولة.
الوقفة الملكية لم تكن فقط للتشخيص والتدليل على ما هو أقرب إلى "آفة" تتآكل خلفها لغة الحوار وقيم التعددية وقبول الآخر لتحل مكانها الاتهامية والشيطنة والشخصنة وتسويد المشهد، بل ذهب المنطوق الملكي إلى طرح الحلول أمام الحكومات والمجتمع على حد سواء، فالتشريعات المنظمة والرقابية والحسابية واجبة، لكن الرقيب الداخلي والتعقل لدى الأفراد ضروريان ومحوريان أيضاً.
ما يعني أن توفير المعلومة الدقيقة للمواطن بدون بطء وبشكل شفاف، من قبل الحكومة ومسؤوليها، يضع حدا للإشاعات والأخبار المضللة، كما يدفع المواطن لعدم التوجه إلى منصات التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها بشكل رئيس.
في كل مرة نتمنى أن نستفيد من الأزمات التي تواجهنا، حتى في إدارتها مع الرأي العام وتوحيد خلية الأزمة حتى الإعلامية منها، فعلى سبيل المثال، حادثة البحر الميت، التي وقعت مؤخرا واكتوى بنارها الكثير من العائلات، أما كانت تستحق وتتطلب من الحكومة والقائمين عليها المختصين أو المعنيين عقد أكثر من مؤتمر صحفي، إن لم يكن على رأس كل ساعة أو ساعتين، لوضع المواطن بصورة ما يحدث، وعدم تركه إلى "إشاعات" و"تضليلات" انتشرت نتيجة غياب المعلومة، وفقدان الثقة بالمعلومة الرسمية.
المؤهل اليوم أن تستند جميع الأطراف على المنطوق الملكي في وضع النقاط على الحروف في التأسيس لحوار منتج ولغة رفيعة تعتمد الحوار والشفافية والمعلومة قبل الانطباعات والإشاعات.