تعليم الإرهاب.. ومكافحته

كل لأسبابه، والتي بات بعضها معروفاً ومكشوفاً تماماً، يبدو التركيز عربياً ودولياً على الإرهاب الذي تمارسه تنظيمات مسلحة تنسب نفسها إلى الإسلام. بذلك، تصير المعتقدات الدينية "الإسلامية" هي القاسم المشترك، المفسر كلياً، لأكثر ممارسات الإرهاب شيوعاً في الوقت الحالي؛ من أندونيسيا إلى نيجيريا؛ مروراً بالبلدان العربية وغيرها.اضافة اعلان
لكن إذا صح ذلك، فكيف يمكن تفسير الإرهاب الديني البوذي ضد المسلمين تحديداً في ميانمار (بورما)، كما الإرهاب في جمهورية أفريقيا الوسطى ضد المسلمين وحدهم؟ أما عربياً على وجه الخصوص؛ فلعل الوقت لم يمض طويلاً لننسى أن "إرهاب" ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم يكن إلا إرهاباً علمانياً خالصاً؛ يسارياً وقومياً، يدعو للفخر لدى البعض، حتى هذه اللحظة ربما. تماماً كما أن أبشع الحروب الأهلية التي عرفها العالم العربي، في لبنان، انما كانت حرب الجميع ضد الجميع، من مختلف الأديان والمذاهب والطوائف، وقد وقعت بكل فظاعاتها قبل سنوات طويلة من ولادة "القاعدة" وكل تفريعاتها.
هكذا، فإنه مع توسيع دائرة النظر جغرافياً وزمنياً، يكون صحيحاً القول إن المعتقدات التي تشجع الإرهاب أو تبرره، دينية كانت أم علمانية، ليست سوى نتيجة للعامل المشترك الحقيقي بين هويات الإرهاب المتعددة، وهو بكلمة واحدة: التعليم؛ أو بعبارة أدق: نوعية التعليم والمعرفة اللذين يتلقاهما الشخص، ليس في المدارس والجامعات فحسب، بل أهم من ذلك عبر الجماعات السياسية التي ينخرط فيها، على اختلاف أيديولوجياتها. ولعل خير من يمثل ذلك تنظيم "بوكو حرام" الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ اختطافه مئات الطالبات النيجيريات والتهديد بالتعامل معهن باعتبارهن "سبايا"!
وحسبما تذكره إزوبيل كولمان وسيغريد فون ويندل في مقالهما "هزم بوكو حرام"، والمنشور في 10 أيار (مايو) الحالي في مجلة "فورين أفيرز"، يمكن القول إن المصنع الحقيقي لأعضاء التنظيم، وبما يسمح له بالمحافظة على قوته وزيادتها رغم كل الحملات الأمنية ضده، ليس إلا فجوة التعليم التي يملؤها "بوكو حرام" بأفكاره. وهو الأمر الذي سمح به إهمال الدولة لهذا القطاع.
إذ تعد نيجيريا (بعد ميانمار، ولعل في الأمر دلالة أيضاً) الدولة الأقل إنفاقاً على التعليم في العالم، بنسبة تقل، منذ العام 1991، عن 1 % من الدخل القومي الإجمالي، رغم أنها في الوقت ذاته واحدة من أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط. وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة إرسال عائلة لطفلها إلى المدارس الحكومية (التي يفترض أنها مجانية) إلى ما معدله 200 دولار، ولتبلغ نسبة أطفال نيجيريا المتسربين من المدارس في العام 2007، ما بين 30-40 % من مجموع أطفال العالم الذين يشكلون الظاهرة.
طبعاً، قد يبدو مغرياً للبعض طرح ضرورة العودة إلى السيطرة على المؤسسات التعليمية. لكن عدا عن حقيقة أن هذا "الحل" هو المسؤول عن إنتاج العقليات المتعصبة، في العالم العربي خصوصاً، فإن استحالة التطبيق تبدو مع انتشار وتغلغل وسائل الاتصال الحديثة، والتي تطرح الخشية من بروز الاستقطاب والتقوقع، وصولاً إلى التعصب والإرهاب، في كل دول العالم بلا استثناء، وبشأن فئات متعددة وليس المسلمين وحدهم.
بذلك، لا يعود ممكناً من حل إلا خلق حصانة ذاتية مستدامة، تتأتى أساساً عبر توفير التعليم النوعي، القائم فعلاً على إعمال العقل ومحاكمة ما يقدم من أفكار، عبر جميع وسائل التعلم وتلقي المعرفة، وفي أي مكان. وهذا يعني ابتداء، مزيداً من الحرية.