تعليم تقليدي لعالم جديد!

مع انطواء صفحة امتحان الثانوية العامة وانتهاء الانشغال بتفاصيل الامتحانات ومدى صعوبتها وسهولتها، يبرز السؤال الأهم الذي يتطلب الإجابة عليه والمتعلق بمناهج التعليم، والمهارات التي يكتسبها أبناؤنا وبناتنا، فما هو الجديد الذي نعلمه لهؤلاء الطلبة الذين يفترض ان يشكلوا قوة العمل المستقبلية. بداية لا بد من الإشارة الى ان العديد من التقارير الدولية ذات المصداقية العالية، تتحدث عن أن ما لا يقل عن 30 في المائة من الوظائف التي نعرفها الآن، سوف تتلاشى خلال عقد من الزمان، والأسباب الرئيسة لهذا التحول هو التغييرات التكنولوجية الكبيرة التي يشهدها العالم لا سيما مع دخول تطبيقات الذكاء الاصطناعي الى الواقع العملي، وكذلك التغيير الكبير الذي يشهده السلوك الاستهلاكي، فعلى سبيل المثال فإن وسائل التسوق والقراءة والتواصل اختلفت وسوف تواصل التغيير بصورة هائلة، مما يعني ان وظائف معينة ستختفي، في حين ستظهر وظائف جديدة. هذه الوظائف الجديدة المختلفة، هي التي يجب اعداد طلاب اليوم عليها، وهي ستتطلب مهارات من نوع مختلف، مهارات تقوم بالدرجة الأولى على توظيف التكنولوجيا، مهارات التواصل، ومهارات ترتبط بكيفية تشغيل الآلة والتحكم بها، بما ينسجم وواقع العمل الجديد، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من الوظائف التي تتعامل مع البيانات الكبيرة وتحليلها، وظائف قائمة على تحليل الذكاء العاطفي وغيرها من تطبيقات الطباعة ثلاثية الابعاد وما يعنيه ذلك في حقول الصناعة والصحة والقائمة تطول. وهذه تخصصات لا اعرف أيا من جامعاتنا تقوم بتوفيرها حتى من خلال شراكات مع معاهد عالمية متخصصة. وبخلاف الانطباع بأن التكنولوجيا والآلة تحل مكان الانسان في سوق العمل، فإن نسبة التشغيل في الدول المتقدمة صناعيا مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية مثل المانيا في الوظائف المستحدثة تشهد اعلى معدلات تشغيل في تاريخها الحديث، حيث سجلت معدلات البطالة ادنى مستويات لها في تلك الدول التي تعتبر الأكثر توظيفا للتكنولوجيا. ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة لسوق العمل المحلي. في بعض الحسابات فإن كل نقطة مئوية واحدة من النمو في الأردن تحقق ما بين 35 الى 40 الف فرصة عمل سنوية، ومع افتراض ان نسبة النمو خلال السنوات المقبلة لن تتجاوز 3 في المائة، فإن هذا يعني ان مشكلة البطالة ستستمر في التفاقم، وإذا بقيت البرامج العلمية على ما هي عليه، فهذا يعني ببساطة اننا سنشهد تراجعا في بعض الوظائف التقليدية التي ما نزال نؤهل الداخلين الجدد الى سوق العمل عليها، ونترك ديناميكية الاقتصاد تسير وتأخذ مداها بما يعني ان النظرة المستقبلية لن تتغير بل مرشحة للتفاقم. هذا التحدي يقتضي توحيد الجهود وعقد شراكة بين القطاع الخاص والجهات الحكومية بما يضمن دراسة واضحة للمستقبل، وبما يساهم في تحديد نوعية المهارات ومحتويات البرامج الجديدة، وبالتزامن مع ذلك اتخاذ قرار بإلغاء بعض التخصصات نهائيا، ومن دون ذلك التوجه الذي يعني تغييرا هيكليا، فسنبقى في نفس الدوامة وستبقى مشكلة البطالة احد التحديات الهيكلية والتي لا نقوم بما يكفي للتعاطي معها.اضافة اعلان