تفاؤل حذر للأردنيين في العام 2020

التفاؤل دائما هو سمة الشعوب الحيّة المتحضرة والمتطلعة إلى غد أفضل ومستقبل آمن وباهر للأجيال، والأردنيون يتصدرون قائمة شعوب الدول النامية لأنهم استطاعوا بناء الأردن بالرغم من شح الموارد وقساوة الجغرافيا وحجم الصعاب والتحديات المحيطة فيه والتي لا يشابهه فيها دول أخرى على مستوى الإقليم والعالم العربي.اضافة اعلان
وبالرغم من كل هذه الصعوبات فإن الأردنيين متفائلون في العام 2020 وبنسبة (51 %) كما أظهر استطلاع الرأي العام الذي أعلنه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهي نسبة مشوبة بالحذر إذ أن 49 % من الأردنيين باتجاه معاكس للتفاؤل الذي أظهرته نسبة الـ51 %.
وما يثير الانتباه في نتائج ذات الاستطلاع أن دوافع ومصدر التفاؤل التي أظهرتها العينة الوطنية (1712) مستجيبا، وعينة قادة الرأي (672) مستجيبا، لا تعتمد على ثقة المواطنين بالحكومة أو سياساتها المستقبلية أو وضوح رؤية برامجها أو التخطيط في الإدارة العامة بشكل عام، والذي يجب أن يكون العامل الأول الذي يبعث على تفاؤل المواطن أو يرسخ لديه الاطمئنان والقناعة بأن المستقبل في 2020 سيكون أفضل، ولذلك فإن ما يجب أن يثير اهتمام الحكومة بأن السبب الأول للتفاؤل هو "الايمان بالله والتوكل على الله" وبنسبة (28 %) وهي أعلى نسبة لعوامل التفاؤل، أما عمل وبرامج الحكومة فإن نسبة تأثيرها بالتفاؤل هي (9 %) فقط، وهي أقل نسبة من العوامل المؤثرة بالتفاؤل لدى الأردنيين.
النعم بالله دائما والتوكل على الله فرض، لكن لسان حال المواطن يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل" وليس لنا ملجأ إلا الدعاء والتوكل على الله فقط ليكون لدينا شيء من التفاؤل، وهذا رأي يعكس مدى الإحباط لدى المواطنين من الأداء العملي والميداني لإدارة الدولة وسياسات الحكومة المستقبلية بالرغم من الحُزم الإصلاحية الأربع التي أعلنتها الحكومة في سياساتها.
أما الذين أجابوا بعدم تفاؤلهم (31 %) فأفصحوا بأن الفساد والأوضاع الاقتصادية والبطالة تشكل عوامل عدم تفاؤلهم، لأن تلك العوامل هي أولى أولياتهم ولأنها بالطبع تمس حياتهم اليومية وتفاصيلها، وأن نسبة الـ 18 % التي لم تبد رأيها بالتفاؤل أو عدمه فإنها لا تحسب للحكومة بل تحسب عليها.
بالطبع فإن المواطنين الأردنيين يعتبرون الأمن والاستقرار أولوية قصوى لأن الأمن والاستقرار هو بوابة البناء والتطور والتفاؤل في المستقبل، وأيضا لأن الأردنيين الذي بنوا مؤسسات الأمن والجيش، واثقون من سلامة هذه المؤسسات ونظافتها وإخلاصها ومنتسبيها لخدمة القيادة والوطن بكل تعاون وإخلاص.
من المقلق حقا أن ما نبهت إليه نتائج الاستطلاع أن يبقى الفساد والواسطة والمحسوبية منذ عدة سنوات في استطلاعات الرأي العام الأردني هو المهدد الأول الذي يواجه الأردن، وهو العامل الذي يؤدي إلى تفاقم وانتشار الفقر والبطالة وتراجع الإدارة العامة في إدارة شؤون الدولة.
كما أنه من الملفت أيضا؛ انصراف اهتمام المواطن الأردني لقضاياه المعيشية والأسرية وتراجع اهتماماته بشكل واضح بالقضايا السياسية والإصلاح السياسي والقضايا الوطنية والقومية، وأن ذلك بات محصورا باهتمامات الطبقة ذات الأحوال الميسورة مالياً واقتصادياً "عينة قادة الرأي".
إن ذلك مؤشر سلبي على السياسات العامة للحكومة والحكومات السابقة الذي بات واضحا بأنها تهدف إلى تركيز اهتمامات المواطن على أمور معيشته وأسرته وصرف اهتماماته عن قضايا الإصلاح السياسي الذي يركز ويوجه به جلالة الملك في كل مناسبة وأوراقه النقاشية السبع التي حدد فيها توجيهاته للحكومات والرأي العام الأردني لمحاور الإصلاح العام ومنها الإصلاح السياسي.
في كل الأحوال، التفاؤل سمة القيادة الأردنية وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله، والشعب الأردني، لكن الأداء على أرض الواقع رغم الجهود الحكومية وجهود السلطة التشريعية التي تعكسها صور الإعلام الرسمي في الدولة، بمجاملة أحياناً للحكومة والسلطة التشريعية، لا تعزز تفاؤل المواطنين الحذر المعتمد على التوكل على الله، لأن التوكل على الله يحتاج إلى العمل الوطني الجاد النظيف الخالي من الفساد.