تقارير ديوان المحاسبة: "حُط في الخُرُج"!

ديوان المحاسبة، محاط بهالة، تخفي خلفها تواطؤ السلطتين التنفيذية والتشريعية، على تحييد الديوان وتهميش دوره الى الحدود الدنيا

اضافة اعلان

 تشرع اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب مطلع هذا الأسبوع في مناقشة تقرير ديوان المحاسبة عن العام "2007". وفي رواية أخرى، مناقشة تقارير ديوان المحاسبة منذ عام "2000" كما أشارت الصحف الصادرة صباح الخميس الماضي. علما بأن تقارير الديوان عن الأعوام "2000-2006" نوقشت من اللجنة المالية السابقة ولم يكلف المجلس اللجنة المالية الحالية بإعادة مناقشتها.

والنواب من غير أعضاء اللجنة المالية، لا يعرفون ما الذي ستناقشه اللجنة، لأن آلية العمل وبيروقراطية الأمانة العامة للمجلس، لا توفر المعلومة المناسبة للنواب في الوقت المناسب، ما يجعل بقية أعضاء المجلس، خارج الحسبة.

 تقارير ديوان المحاسبة وأداء الديوان لا تؤخذ على محمل الجد في البرلمان الأردني، وللدلالة على ذلك يكفي أن نعرف أن تقارير ديوان المحاسبة منذ عام "2000-2007" لم تناقش من هيئة مجلس النواب.

 حتى تقرير اللجنة المالية السابقة التي ناقشت تقارير الديوان عن الأعوام "2000-2006" هكذا بالجملة وبعد فوات الأوان وبعد أن طارت الطيور بأرزاقها، حتى هذه التقارير لم تناقش وما تزال حبيسة الأدراج. ديوان المحاسبة هو الذراع المفترض لمجلس النواب، للرقابة على الأداء المالي للدولة وللتأكد من سلامة الإجراءات الإدارية وتوافقها مع التشريعات النافذة.

والرقابة المالية والإدارية على اعمال السلطة التنفيذية، هي من أولى أولويات المهام المنوطة دستوريا بعمل مجلس النواب مع ذلك لا خطوة ولا اهتماما يذكر من المجلس في الديوان ولا في التقارير والملاحظات الصادرة عنه.

قلة الاهتمام هذه، هي الوجه الآخر، لضعف الدور الرقابي العام لمجلس النواب، وشاهد على ضعف العمل البرلماني برمته.

وهذا الاستخفاف في التقارير الصادرة عن ديوان المحاسبة، يريح السلطة التنفيذية ويجعلها لا تعبأ بدور الديوان ولا تأخذ ملاحظاته على محمل الجد. ويجعل من الديوان أداة حكومية، "لحراسة التجاوزات والأخطاء بدل صيدها". لذلك لا نرى صيدا ثمينا للديوان وأغلب ما نلحظه في تقارير الديوان تجاوزات لصغار الموظفين.

 هل سمعتم يوما أن ديوان المحاسبة، ساهم في تحويل ملف دسم الى القضاء؟ ديوان المحاسبة، محاط بهالة، تخفي خلفها تواطؤ السلطتين التنفيذية والتشريعية، على تحييد الديوان وتهميش دوره الى الحدود الدنيا.

وأذكر أن رئيس وزراء سابق "أقال" رئيس ديوان المحاسبة لأنه أرسل تقريره الى مجلس النواب قبل اطلاع الحكومة عليه ولا أظن أنه سيكرر فعلته مرة اخرى فالطريقة التي يعمل فيها مجلس النواب لا تمكن المجلس من القيام بواجباته الرقابية على الأداء المالي والإداري للدولة.

ففي البرلمانات الديمقراطية الفاعلة، تتشكل لجنة دائمة متخصصة في الموازنة العامة للدولة، وتتفرغ لمواكبة الإنفاق الحكومي ومراقبته بأدق تفاصيله، وتقيم علاقة يومية مع ديوان المحاسبة ذراعها الرقابية، تتلقى الملاحظات وترسل الأسئلة والرسائل. وأكثر من ذلك، تشارك في إعداد موازنة الدولة للأعوام المقبلة. ويكون الى جانب هذه اللجنة، لجنة أخرى تهتم بالسياسات الاقتصادية والتشريعات المتعلقة بها.

 ستبدأ اليوم اجتماعات اللجنة المالية ونقاشاتها، وسوف يتقاطر الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، لحضور اجتماعات اللجنة والإجابة عن استفساراتهم والدفاع عن "بطولاتهم" في لجم الفساد المالي والإداري والتجاوب الفوري والسريع مع ملاحظات ديوان المحاسبة.

 وبعد هذا "العرس الديمقراطي"، تصوغ اللجنة تقريرها الى مجلس النواب، متضمناً توصيات إنشائية عامة، تكررت في تقارير سابقة.

وبعد طول عناء، يعرض التقرير على مجلس النواب لتكون النتيجة كما دائماً: إقرار تقرير اللجنة المالية وتوصياتها ولا يصرف المجلس من وقته أكثر من نصف ساعة من "اللغو" حول التوصيات، ومن ثم: "حُط في الخرج". بالمناسبة تقارير ديوان المحاسبة، لا تحمل ملاحظات لمجلس النواب، فهي معصومة من الخطأ والتجاوزات ويا سبحان الله (!). ديوان المحاسبة، من أهم مؤسسات الدولة على الإطلاق وهي تحتاج الى رعاية استثنائية من الدولة ومن مجلس النواب بشكل خاص.

كي يقوم الديوان بدوره الرقابي المفترض.مكافحة الفساد المالي والإداري، لا تتم بالادعاء ولا تقوم بالنوايا الحسنة. بل من خلال عمل مؤسسي شفاف وتوفير الأدوات القادرة على القيام بهذه المهمة المؤجلة.

[email protected]