تقرير حالة البلاد: برامج الإصلاح الاقتصادي تخدم "صندوق النقد"

سماح بيبرس عمان- أكد تقرير حالة البلاد لعام 2019 الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن البرامج الإصلاحية التي طبقتها الحكومات حققت أهدافها المالية مع صندوق النقد الدولي بصورة أكبر من تحقيقها للأهداف الإصلاحية. وبين التقرير أن الحكومة انضبطت في إجراء الإصلاحات وخاصة الضريبية منها، إلّا أن تلك الإصلاحات لم تنعكس على الاقتصاد الحقيقي وبقيت الأهداف الإصلاحية الحقيقية بعيدة المنال. وأكد التقرير في جزئية "السياستين المالية والنقدية" ضرورة زيادة التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، وإعادة هيكلة الحكومة وتحسين تنافسية الاقتصاد. وزاد "على الحكومة وضع خطة ذات جدول زمني واضح من شأنه تسريع وتيرة العمل على إعادة هيكلة الجهاز الحكومي وإلغاء العديد من الهيئات التنظيمية القطاعية، خصوصا بعد أن بلغ العجز في الوحدات الحكومية المستقلة رقما قياسيا تجاوز 248 مليون دينار في 2018". وقال "الحصافة تقتضي وضع خطة ذات جدول زمني واضح لتسريع وتيرة العمل على إلغاء هذه الوحدات أو إعادة دمجها، وإغلاق هذا الملف الذي ما يزال مفتوحا منذ مدة طويلة". وأكد التقرير الذي نشر على موقع المجلس على ضرورة إطلاق مشروع تنموي ضخم يُعد رافعة للاقتصاد، علما أن آخر مشروع كبير تم إطلاقه هو مشروع توسعة مطار الملكة علياء الدولي الذي أطلق قبل سنوات. ويمكن التفكير عمليا في هذا السياق بتخصيص أحد بنود الإنفاق الرأسمالي في موازنة العام 2020 للبدء بالإنفاق على المرحلة الأولى من هذا المشروع التنموي الذي ينبغي أن تكون مسؤولية اختياره من ضمن مجموعة بدائل وأولويات تُعرض على مجلس النواب. ومن المشاريع المهمة التي يمكن أن توضع على سلّم الأولويات مشروع شبكة السكك الحديدية التي تربط أجزاء البلاد وتتصل مع الشبكات الإقليمية المحيطة والتي تم سابقا استملاك الأراضي التي ستمر منها تمهيدا للبدء بإنشائها، والحق أن هذا المشروع بطبيعته يعدُّ من المشاريع كثيفة الاستخدام للعمالة ومن شأنه أن ينهض بقطاع النقل الأردني برمته. وقال التقرير "بعد أن أوشك برنامج التصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي (2016) على الانتهاء من المهم أن يكون البرنامج المقبل توافقيا وأخف وطأة على المواطن الذي يتطلّع لتنفس الصعداء، ولا سيما أن الصندوق أضحى يعترف صراحة بالعبء الأردني الثقيل ويصف الاقتصاد الأردني بأنه الأكثر إنهاكا بالضغوطات، وبات يشعر أن الحلول التقليدية التي درج على طرحها والتمسك بها لم تعد مجدية". وأكد أنه آن الأوان أن تبدأ الحكومة بإطلاق حوار موضوعي واسع حول تبني برنامج إصلاح اقتصادي وطني شامل ليُصار إلى تقديمه للصندوق، مع ضرورة الاهتمام بالأهداف الإصلاحية الحقيقية على المستوى الاقتصادي الكلي، وخاصة التركيز على هدف النمو والعدالة الاجتماعية لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد بالكيفية التي يمكن أن تكون مقبولة للصندوق في إطار ما يسعى إليه من أهداف كمّية تتصل مباشرة بعلاج العجوزات والاختلالات والمديونية. ودعا التقرير إلى تكليف وزارة الصناعة والتجارة بإعادة تقييم أداء الاتفاقيات التجارية ونتائجها المبرمة مع العديد من الدول، ومراجعة شروطها وقدرتها على تحقيق أهدافها، وضمان توزيع مكتسباتها توزيعا أكثر عدالة بين أطرافها في ظلّ ضعف الإطار التشريعي الذي يحكم حماية الإنتاج الوطني، ومكافحة الإغراق والالتزام الجامد بشروط منظمة التجارة العالمية التي يتعيّن التفكير كذلك في بدء مراجعتها مع المنظمة. ويمكن الاسترشاد في هذا المقام بالشروط المجحفة التي كانت تتضمنها اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا قبل إلغائها والتي قُدِّر حجم الإعفاءات الجمركية التي مُنحت للمستوردات التركية بموجبها بنحو 322 مليون دينار خلال المدّة ( 2011 - 2017 ( دون أن يصاحب ذلك نمو نوعيّ أو كمي يُذكر في الصادرات الوطنية إليها أو في تدفقات الاستثمار التركية) وأيضا الصادرات الوطنية إلى دول الاتحاد الأوروبي ما تزال تراوح مكانها منذ سنوات ولا تتجاوز 3 % من إجمالي صادرات المملكة مع وجود اتفاق تبسيط قواعد المنشأ مع الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى ضعف متابعة هذه القضايا. كما أكد ضرورة مراجعة الإعفاءات الضريبية للمناطق التنموية وتلك الممنوحة لتشجيع الاستثمار في إطار مراجعة تشريعية شاملة لنحو 41 قانونا أصبحت بحاجة للتعديل والتحديث، وإزالة التشوهات التي أشار إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره لسنة 2015. ونادى التقرير بضرورة تجويد أداء السياسات الاقتصادية من خلال الارتقاء بأدواتها المختلفة، وتبني نهج إصلاح ضريبي شامل يعزز دور ضريبة الدخل ليس لأنها رافدا مغذيا للإيرادات العامة وحسب، بل لأنها أيضا أداة رئيسية نحو تحقيق عدالة توزيع الدخل القومي والنمو، مما يستلزم الاستمرار في السياسة التي بدأتها الحكومة منذ مطلع العام 2019 والمتمثلة في إعادة النظر بمعدلات ضريبة المبيعات التي تغولت في الهيكل الضريبي وشوّهته. كما دعا الى الاستمرار في نهج ضبط الإنفاق العام بطريقة نوعية يستطيع المواطن من خلالها لمس بصماتها بوضوح. ولا بدّ أن يكون موضوع معالجة العجز الضخم في قطاعي الماء والكهرباء موضع اهتمام خاص في السياسة المالية المتوخاة، من خلال الالتزام بالمنهجية الحكومية التي تم اعتمادها مع صندوق النقد الدولي وأدرجت في متن المراجعة الأخيرة للاتفاقية مع الصندوق في شهر أيار(مايو) 2019 ، وكان ذلك من أولويات برنامج التصحيح الاقتصادي الوطني الموصى به. فبعد أن أقرت الحكومة ضريبة مقطوعة على استهلاك المحروقات بدلا من الضرائب النسبية المرتبطة بأسعار النفط التي كان يتم تعديلها شهريا، من الصواب الآن أن تُترك عملية تسعير المحروقات لقوى العرض والطلب بعد أن تمت حماية إيرادات الخزينة من تقلبات أسعار النفط، لأن المنافسة بين شركات التوزيع التي تقوم أيضا بمهمة الاستيراد، كفيلة بتحقيق التوازن المرغوب فيه. وأكد ضرورة الإسراع في إقرار الاستراتيجية الوطنية لقطاع الطاقة المتجددة الذي عانى كثيرا من تخبط السياسات، إذ يُنتظر إقرار تلك الاستراتيجية بفارغ الصبر. وقال التقرير "أداء السياسة النقدية اتسم بالانكماشية، فقد حان وقت تخفيض التشدد في أدوات هذه السياسة في ظل التغير في اتجاهات أسعار الفائدة العالمية إذ تتطلب المرحلة المقبلة سياسة نقدية ميسّرة تنعكس على هيكل أسعار الفائدة المحلية وحجم الائتمان المقدَّم من البنوك والحق أنّ أبرز ما يمكن التوصية به في ما يتعلق بأداء السياستين المالية والنقدية، هو تعزيز التناغم بين هاتين السياستين". ودعا إلى ضرورة تنظيم قطاع التجارة الإلكترونية الذي يعاني من الفوضى بما يحفظ حقوق التجار والمستوردين ولا يؤثر على الإيرادات العامة، ويسمح بمواكبة التطورات التقنية المعاصرة. وأضاف التقرير "بعد أن تنبهت الحكومة الى موضوع تنشيط السوق العقاري وبدأت بالفعل بخطوات جادّة في هذا الاتجاه، يؤمل منها أن تستمر وأن تتابع إصدار الأنظمة المتصلة بإجراءات تنفيذ هذه الخطوات، ووضع قانون الملْكية العقارية الجديد موضعَ التنفيذ، وكذلك وضع نظام الأبنية المعدل موضعَ التنفيذ". وتتجه الأنظار إلى خطوات مؤثرة مماثلة على صعيد تنشيط السوق المالي يحبَّذ أن تبدأ بالتركيز على تطوير السوق الثانوي المعنيّ بإصدارات السندات والصكوك وإصدارات الأسهم الجديدة، مما يتطلب من هيئة الأوراق المالية المبادرة بالاهتمام الاستثنائي بسوق تداول السندات الحكومية وغير الحكومية التي تحتاج إلى جهد كبير لتطويرها، لتكون ذراعا رافعة للسوق المالي على غرار الأسواق المالية الدولية مثل بورصة نيويورك مثلاً التي تحتلّ السندات والصكوك نسبة 60 % من التداول الإجمالي فيها. ولا بد أن يتزامن ذلك مع برنامج لإطلاق صناديق متخصصة لتمويل المشاريع، وتحفيز الصناديق الاستثمارية بأنواعها لحشد مزيد من المدخرات المحلية اللازمة للتنمية المستدامة. ومن المعوَّل عليه أن ينهض الجهاز المصرفي بتقديم أنواع جديدة وجذّابة من خدمات التجزئة والأوعية الادخارية والاستثمارية، والتوسع في تقديم القروض للمشاريع الكبرى ضمن إطار التجمع المصرفي. وقال التقرير "من الحكمة في الوقت الراهن كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها السوق منذ سنوات، وإعادة ثقة المستثمرين بالسوق في ضوء تنامي ظاهرة التوجه المتزايد للمستثمرين الأردنيين نحو الأسواق المالية الإقليمية والدولية".اضافة اعلان