تقرير كارثي يتطلب المحاسبة

تقرير مهم وخطير جدا كتبه الزميل محمد الكيالي، ونشرته “الغد” في عدد يوم الجمعة، وتناول واقع مستشفى الأمير حمزة، والنقص الهائل في أطباء الاختصاص.اضافة اعلان
المعلومات التي حصل الزميل الكيالي جاءت من مصادر طبية عاملة في المستشفى، ومطلعة على واقعه تماما، لذلك فهي حين تقول إن المستشفى الذي تم إفراده لاستقبال وعلاج حالات كورونا رغم عدم وجود أي طبيب أخصائي عناية حثيثة، فهي تعلم خطورة مثل هذا الكلام وتأثيراته الممتدة على صحة وسلامة وحياة المرضى.
أخطر ما تكشفه المصادر هو إشارتها إلى أن “معظم المرضى الذين وضعوا على أجهزة التنفس الاصطناعي في المستشفى توفوا لاحقا”، وأن أسباب الوفاة كانت “عدم تجهيز المستشفى بالأخصائيين والاستشاريين لمتابعة المرضى”.
التقرير، بالتأكيد، لم ينسَ أن يأخذ رد مدير المستشفى، والذي كان ردا باهتا حين رفض التصريح بشأن أعداد الإخصائيين وطبيعة اختصاصاتهم، وكأنما هو يتحفظ على واحد من أسرار الدولة الأشد أهمية وخطورة. ولكن الكلام الوارد في إفادات المصادر يضعنا أمام حقيقة كارثية لا ينبغي المرور عنها بسهولة واطمئنان.
من أجل ذلك، سنوجه الحديث إلى وزير الصحة، والذي يعلم، بالتأكيد، محتوى “الصندوق الأسود” لمستشفى الأمير حمزة ولم يكلف نفسه عناء محاولة علاج الاختلالات الكثيرة فيه.
نقول للوزير إننا لا نطالب برعاية صحية كما هي موجودة في “مايو كلينك”، على حد تعبير شكواه من الأردنيين اللحوحين، بل نطالب بمسؤول عن الملف الصحي في بلدنا ينظر إلى الإنسان على أنه “أغلى ما نملك”، لا أن تقدم له معالجة صورية بينما هو في طريقه إلى الموت لا محالة.
لقد سامحنا وزير الصحة على كثير من الحظر العبثي الشامل الذي أوصى به، والذي تسبب بخسائر اقتصادية فادحة للأفراد والقطاعات، لكننا لا نسامح حين تكون الإدارات التي تنضوي تحته مباشرة بمثل هذه الرثاثة والخطورة والتسيب، وبمثل هذه اللاعدالة الصارخة.
في واحد من الجوانب الخطيرة التي تثيرها مصادر “الغد”، هو أن كثيرا من الوفيات التي حدثت في المستشفى بسبب كورونا أو مضاعفاتها إنما وقعت بسبب الإهمال الذي يسود في القطاع الصحي الأردني، والذي يمثله سعد جبر بالابتسامات الهوليودية والأداء المسرحي، بينما يترك حق الأردنيين بالحياة للصدفة المحضة.
أعترف بأنني أكتب هذا المقال في حالة غضب، فحين تكون حياة الأردنيين خاضعة لاجتهادات منقوصة وتجريب عبثي، فينبغي لنا أن نتوقف عند هذا الأمر طويلا، كما ينبغي لنا أن نتساءل بخوف وتوجس: إذا كان تقرير بمثل هذه الخطورة لا يحرك الوجدان ولا يستدعي التحقيق والمساءلة من الجهات الرقابية، فما هو نوع التقارير التي من الممكن أن تستثير وعي المؤثرين مجتمعيا وسياسيا، وماذا ينتظرون كي يشعروا بخطورة الحال.
نعم، أكتب مستفزا من “سماكة جلد” هذه الحكومة التي لم تترك موبقة إلا وجلدت المواطن بها، ومستفزا، أيضا، من قدرتها على مواصلة الأداء المسرحي الهزيل، وتشدقها في كل حين بأنها تفعل المستحيل من أجل المواطن. إنها مهزلة وينبغي أن تتوقف.
في البلاد التي تحترم شعوبها فإن تقريرا مثل هذا كفيل أن يطيح بأي حكومة مهما كانت شعبيتها. نحن أقل تفاؤلا في هذا السياق، وكل ما نطمح إليه هو أن يتحمل وزير الصحة مسؤولياته الدستورية والقانونية والأخلاقية، وأن يستقيل من منصبه، لأن المؤسسات التي يشرف عليها لم تستطع تقدير قدسية أرواح الأردنيين.
هل سنطمح بتشكيل لجنة تحقيق تقتص لنا ممن استهان بأرواحنا؟ لا نظن ذلك، فحياة الأردني كانت على الدوام أقل شأنا من أن يحاسب أحد عليها!
لنا الله!!