تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأميركي 2012 "الاتجاهات العالمية 2030: عوالم بديلة"(الحلقة التاسعة)

التصنيع المضاف سيحدث ثورة في طبيعة الصناعة والعمالة الكونية - (أرشيفية)
التصنيع المضاف سيحدث ثورة في طبيعة الصناعة والعمالة الكونية - (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يقصد هذا التقرير إلى تحريض التفكير في هذه الطائفة المتنوعة والمتسارعة من التغييرات الجيو-سياسية والاقتصادية والتقنية التي تقوم بتحويل عالمنا اليوم، وإلى تأمل تجلياتها المستقبلية خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين التالية.
(بدأ) هذا التقرير بتحديد ما نرى أنه الاتجاهات الكبرى الأكثر أهمية في عالمنا المتغير –تمكين الفرد؛ توزُّع القوة العالمية إلى شبكات متعددة الوجوه وانسيابها إلى الشرق والجنوب؛ والأنماط الديمغرافية التي ستكون أبرزها شيخوخة السكان وحدوث انفجار في أعداد المنتمين إلى الطبقات الوسطى؛ والتحديات التي تشكلها الموارد الطبيعية. وهذه الاتجاهات الكبرى تمكن معرفتها، وهي تشير في حد ذاتها إلى عالم متغيّر، لكن العالم يمكن أن يُحوّل نفسه بطرق مختلفة جذرياً. وباختصار: إننا نتجه إلى مياه لا يمكن سبر أغوارها.
ونعتقد بأن هذه الاتجاهات الكبرى تتفاعل مع ستة متغيرات، أو "مغيرات للعبة" (1) والتي سوف تحدد أي نوع من العالم المختلف سنَعمُر في العام 2030. وفيما يلي، سنجري حفرية في مغيرات اللعبة الستة الرئيسة وتأثيراتها المحتملة:
• اقتصاد عالمي عرضة للأزمات: هل ستفضي الاختلافات بين اللاعبين ذوي المصالح الاقتصادية المختلفة والتقلبات العالمية إلى توقف اقتصادي عالمي شامل وانهيار؟ أم أن تطوير مراكز تنمية متعددة سيفضي إلى زيادة مرونة النظام الاقتصادي العالمي؟
• فجوة الحكم: هل ستكون الحكومات والمؤسسات الدولية الحالية قادرة على التكيف بسرعة كافية لتسخير التغيير واحتوائه بدلاً من أن يطغى هو عليها؟
• احتمال تصاعد الصراعات: هل ستفضي التغيرات المتسارعة والتحولات في مراكز القوة إلى خلق المزيد من الصراعات بين الدول وفي داخلها؟
• توسع نطاق عدم الاستقرار الإقليمي: هل سيعمل الجيَشان الإقليمي، خاصة في الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا، على التسبب بحالة عدم استقرار عالمي؟
• تأثير التقنيات الجديدة: هل سيتم إحداث اختراقات تكنولوجية في الوقت المناسب لإعطاء دفعة للإنتاجية الاقتصادية وحل المشكلات الناجمة عن الضغط على المصادر الطبيعية والتغير المناخي، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة، وشيخوخة السكان، والتمدن السريع؟
• دور الولايات المتحدة: هل ستتمكن الولايات المتحدة من العمل مع شركاء جدد على إعادة ترتيب النظام الدولي، مجترحة أدواراً جديدة في نظام عالمي متوسع؟

اضافة اعلان

مغير اللعبة الخامس: تأثير التكنولوجيات الجديدة (الجزء الأول)
سوف تعمل زيادة النمو الاقتصادي في بلدان الأسواق الناشئة على حفز وإنتاج ابتكار تكنولوجي مطرد في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة.
من شبه المؤكد أن يستمر التحول في مركز الثقل التكنولوجي الذي بدأ بالفعل من الغرب إلى الشرق والجنوب، مع ازدياد تدفقات الشركات، والأفكار، ورجال الأعمال، ورأس المال من البلدان المتقدمة إلى الأسواق النامية. ويرجح خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة، أن ينتقل المزيد من النشاط التكنولوجي إلى العالم النامي فيما تركز الشركات متعددة الجنسيات على الأسواق الناشئة الأسرع نمواً مثل الأسواق الصينية والهندية والبرازيلية، كما ستتمكن شركات اقتصادية ناشئة أخرى من المنافسة على المستوى العالمي، وبسرعة. وسوف تعتمد سرعة هذه الحركة على توافر رأس المال المخاطر في البلدان النامية، وإقرار قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، ورغبة الشركات في الاقتصادات النامية في النمو وفي التوافر على قدرة المنافسة عالمياً.
سوف تقوم أربعة ميادين تكنولوجية بتشكيل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية العالمية بحلول العام 2030: تكنولوجيا المعلومات؛ تقنيات الأتمتة والتصنيع الآلي (الأتمتة)؛ تكنولوجيات الموارد؛ والتكنولوجيات الصحية.
تدخل تكنولوجيا المعلومات عصر البيانات الكبيرة باطراد. وتصبح قدرات معالجة وتخزين البيانات شبه مجانية؛ وسوف تقوم الشبكات ومعمار السحابة (2) بتيسير الوصول العالمي وانتشار الخدمات؛ وستشكل وسائل الإعلام الاجتماعية والأمن السيبراني أسواقاً واسعة جديدة.
تقوم تقنيات الأتمتة والتصنيع الآلي المتقدمة بتغيير نموذج أعمال الإنتاج الضخم والكيفية التي سيتم بها تسليم المنتجات والخدمات المستقبلية للطبقات الوسطى التي تحظى بأهمية متزايدة في كل من البلدان المتقدمة والنامية. وقد عملت المؤسسات الصناعية الآسيوية بالفعل على بناء الكفاءات اللازمة لتطوير التشغيل الآلي الابتكاري وتطبيقات التصنيع المتقدمة من قدراتها الحالية، وأصبحت مستعدة للسيطرة على العديد من الأسواق الناشئة، على النحو الذي فعلته الصين مؤخراً في مجال ألواح الخلايا الشمسية.
سوف يكون حدوث طفرات واختراقات تكنولوجية متصلة بأمن الموارد الحيوية أمراً ضرورياً لتلبية احتياجات سكان العالم من الغذاء والماء والطاقة. وسوف تشمل التكنولوجيات الرئيسية التي يرجح أن تكون في طليعة هذا المجال مجالات المحاصيل المعدلة وراثياً، والزراعة الدقيقة، وتقنيات المياه والري، والطاقة الشمسية، والوقود الحيوي المتقدم، والاستخراج المحسّن للنفط والغاز الطبيعي من خلال تقنيات الحقن والتفتيت.
وأخيراً وليس آخراً، سوف تستمر التكنولوجيات الصحية الجديدة في تمديد متوسط عمر السكان في جميع أنحاء العالم، من خلال تحسين شروط التغلب على الإنهاك البدني والعقلي، وتحسين الرفاه العام.
تكنولوجيا المعلومات
خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة، سوف تختبر أجهزة وبرمجيات وعناصر الاتصال في تكنولوجيا المعلومات نمواً هائلاً من حيث القدرة والتعقيد، وكذلك الانتشار والتوزع على نطاق واسع. وسوف يعرض هذا النمو والانتشار تحديات كبيرة أمام الحكومات والمجتمعات، والتي يجب أن تعثر على سبل لالتقاط فوائد تكنولوجيات المعلومات الجديدة بينما تتعامل في الوقت نفسه مع التهديدات والمخاطر الجديدة التي تجلبها هذه التكنولوجيات.
تمتلك ثلاثة من التطورات المتركزة على تكنولوجيا المعلومات القدرة على تغيير الطريقة التي سوف نعيش بها، ونمارس بها الأعمال التجارية، ونحمي بها أنفسنا قبل العام 2030. هذه التطورات هي: إيجاد حلول لمعالجة وتخزين كميات كبيرة من البيانات؛ تقنيات الشبكات الاجتماعية؛ و"المدن الذكية" التي تضم مجموعة من التقنيات الحضرية التي تتيحها نظم تكنولوجيا المعلومات المحسنة والآمنة. ويبشر التقدم في مجال تخزين البيانات وتحليلها بقدوم طفرة اقتصادية في أميركا الشمالية؛ في حين سيتحقق التقدم في مجموعة كبيرة من التقنيات الحضرية بفضل الاستثمارات العملاقة في البنى التحتية للمدن الذكية في العالم النامي.
حلول البيانات
تتألف حلول البيانات من مجموعة من التكنولوجيات الناشئة التي تساعد في تجميع وتخزين وإدارة واستخراج القيمة من "البيانات الكبيرة"، مجموعات البيانات الكبيرة جداً التي تصعب معالجتها باستخدام الأدوات التقليدية. من جهة، يمكن للحلول الجديدة المتعلقة بتخزين البيانات ومعالجتها مساعدة واضعي السياسات في معالجة مشكلات الاقتصاد والحكم الصعبة، وتمكين المزيد من التفاعل البدهي السهل وشبه البشري مع أجهزة الحاسوب، وتعزيز فرص الوصول إلى المعرفة واستخدامها، وإلى حد كبير تحسين دقة النماذج التنبؤية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تصبح الحلول المتقدمة للبيانات قناة لحمل المعلومات الزائدة، وأداة للحكومات القمعية، وعبئاً عالي الكلفة فيما يتعلق بالصيانة، والتي تبقى على الرغم من ذلك ضرورية للبنى التحتية القائمة في كل مكان، وساحة لحرب المعلومات متعددة الأقطاب.
تظل التطبيقات الحالية لحلول البيانات مهمة فعلياً للتجارة، والجهود العلمية واسعة النطاق، والخدمات الحكومية، بما في ذلك عمليات جمع المعلومات والاستخبارات وإنفاذ القانون. وعلى سبيل المثال، يستخدم كبار تجار التجزئة حلول البيانات في دمج المعلومات عن عادات عملائهم الإنفاقية في المتجر، وتواريخهم الائتمانية، وتواريخ تصفحهم لشبكة الإنترنت، وإرسالياتهم على الشبكة الاجتماعية، والمعلومات الديموغرافية، وهلم جراً. ومن هذا الدمج، تسمح حلول البيانات لتجار التجزئة باستخلاص معلومات قيمة عن تفضيلات عملائهم، مما يتيح استخدام دعاية مستهدفة موجهة بدقة متناهية، من بين أمور أخرى.
وعادة ما يستخدم تجار التجزئة والأعمال الأخرى أيضاً تكنولوجيات حلول البيانات لإدارة سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية. كما تشكل شركات الإنترنت أيضاً مستخدمين كثيفين لتكنولوجيات حلول البيانات، التي تعتبر أساسية لتمكين البحث على شبكة الإنترنت، والإعلانات المستهدفة، والتعرف على الصور، والترجمة، ومعالجة اللغة الطبيعية، والميزات والوظائف المماثلة. وتشمل التطبيقات العلمية لحلول البيانات التنبؤ بالطقس، وأبحاث الفيزياء، واستكشاف الفضاء، مع توافرها على الإمكانية لدخول مجالات جديدة، بما في ذلك الإيكولوجيا (البيئة) الحاسوبية.
وتعتمد الخدمات الحكومية على قواعد بيانات ونظم تسليم معلومات كبيرة جداً، وهي تشرع في استخدام حلول البيانات من أجل دمج قواعد البيانات والنظم هذه. ويقوم جامعو الحكومة، الذين يشكلون زبائن ومستخدمين كباراً لأحدث أنظمة تكنولوجيا المعلومات واسعة النطاق، بالتعامل حالياً مع بعض أقل مجموعات البيانات تنظيماً، وأقلها تجانساً. وتعتمد حلول البيانات الحالية على الحوسبة التقليدية، لكن الحوسبة الكمية تشكل بطاقة جوكر تكنولوجية، والتي يمكن أن تبدأ بإحداث تأثير بحلول العام 2030، بما يترتب على ذلك من الآثار على الاكتشافات العلمية الأساسية، والبحث، وأنظمة التشفير. وسوف تبقى في الأمام تحديات تقنية هائلة، لكن التقدم عبر طرق عديدة ومختلفة قد حدث فعلاً.
منذ ظهرت حلول البيانات الحديثة، نمت مجموعات البيانات الكبيرة في الحجم بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن لبنات البناء المختلفة لاسكتشاف المعرفة، فضلاً عن أدوات البرمجيات وأفضل الممارسات المتاحة للمنظمات التي تتعامل مع مجموعات البيانات الكبيرة، من مواكبة هذا النمو. ونتيجة لذلك، توجد فجوة كبيرة –وتنمو بسرعة كبيرة- بين كمية البيانات التي يمكن للمنظمات مراكمتها، وبين قدرة المنظمات على معالجة هذه البيانات بطريقة يمكن أن تكون مفيدة. في التصور المثالي، سوف يتطور الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا فهم البيانات، وأفضل الممارسات التنظيمية إلى النقطة التي تضمن فيها حلول البيانات أن يحصل الناس الذين يحتاجون إلى المعلومات على وصول للمعلومات الصحيحة في الوقت المناسب –الذي لا يكونون عنده مثقلين بالمعلومات المربكة أو غير ذات الصلة. أما بأي سرعة -أو حتى ما إذا كان- مثل هذا التطور سيحدث، فإنه أمر غير مؤكد إلى حد كبير.
ومن غير المؤكد على قدم المساواة تلك الطريقة التي ستؤطر بها الحكومات أو الأفراد النمو المستقبلي لحلول البيانات. وقد يفضي الخوف من نمو دولة مراقبة أورويلية بالمواطنين، وخاصة في العالم المتقدم، إلى الضغط على حكوماتهم من أجل تقييد أو تفكيك نظم البيانات الكبيرة. وبالمثل، قد يفضي نفور الأفراد من الإعلان المفرط في التطفل الذي يستغل التفاصيل الشخصية إلى نجوم رد فعل عنيف ضد أنواع كثيرة من الاستخدامات التجارية لتكنولوجيات حلول البيانات. ومن ناحية أخرى، ستحاول حكومات دول استبدادية كثيرة على الأرجح استخدام نظم البيانات الكبيرة لتحقيق المزيد من السيطرة على قوى المعارضة.
تقنيات الشبكات الاجتماعية
اليوم، تساعد تكنولوجيات الشبكات الاجتماعية المستخدمين الأفراد في تشكل الشبكات الاجتماعية على الإنترنت مع مستخدمين آخرين، على أساس العوامل التي يمكن أن تشمل المصالح المشتركة، والخلفيات المشتركة، والعلاقات، والمواقع الجغرافية، وهلم جراً. وفي كثير من النواحي، تصبح الشبكات الاجتماعية جزءاً من نسيج الوجود على الإنترنت، بينما تقوم الخدمات الرائدة بدمج الوظائف الاجتماعية مع كل شيء آخر يمكن أن يفعله الفرد على الإنترنت. وتختلف أنواع الشبكات الاجتماعية والتفاعلات التي تعززها خدمات الشبكة اختلافاً كبيراً. ففي كثير من الحالات، طور الأعضاء استخدامات جديدة لخدمات شبكاتهم الاجتماعية، والتي ذهبت أبعد مما كان مزودو الخدمات أنفسهم قد قصدوه. وتتنوع الاستخدامات المبتكرة لمثل هذه الخدمات لتمتد من السيطرة على الأجهزة المنزلية عن بعد، إلى إدارة حجوزات المطاعم في الزمن الحقيقي، ويستشهد المحللون على نطاق واسع بتويتر (إلى جانب غيره من خدمات الشبكة الاجتماعية) باعتباره كان مساهما كبيراً ومهماً في احتجاجات الربيع العربي. وقد استخدم المحتجون خدمات الشبكة الاجتماعية لتنظيم أنفسهم، ونشر المعلومات، والتغلب على جهود الرقابة الحكومية. وهناك بعض الحكومات التي أصبحت بالفعل بصدد تطبيق إجراءات عدوانية مضادة، في الوقت الذي تستخدم فيه الشبكات الاجتماعية كوسيلة لجمع المعلومات عن المعارضين. ويمكن لتكنولوجيات الشبكات الاجتماعية أن تتيح لمجموعات من الناس التواصل بسهولة خارج نطاق وسائل الإعلام التقليدية والقنوات الحكومية، من أجل متابعة أجندات تقدمية، تخريبية، أو إجرامية، والتي يمكن أن يكون لها تأثير عابر للحدود الجيو-سياسية.
ولأن تقنيات الشبكات الاجتماعية تصبح نسيج الوجود على شبكة الإنترنت، فإنها يمكن أن تصبح أداة مهمة لتزويد الشركات والحكومات بمعلومات قيمة عن الأفراد والجماعات، وتسهيل وضع نماذج تنبؤية بشرية واجتماعية سليمة ومتماسكة، والتي يمكن أن تكون لها تطبيقات تتراوح بين الإعلانات المستهدفة ومكافحة الإرهاب. ويمكن أن تحل الشبكات الاجتماعية أيضاً محل خدمات تقوم الشركات والهيئات الحكومية بتقديمها في الوقت الحالي، مستبدلة إياها بفئات جديدة من الخدمات التي تقاوم بطبيعتها الرقابة المركزية والسيطرة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد الشبكات الاجتماعية في دفع استخدام العملات النقدية البديلة والحقيقية.
ثمة حالة من عدم اليقين عندما يتعلق الأمر بالتطور المستقبلي لتقنيات الشبكات الاجتماعية، والذي يتضمن المبادلات والمفاضلات المعقدة التي يجب أن يجريها المستخدمون بين الخصوصية ومنافع الاستخدام. وبشكل عام، كلما كان المرء أكثر انفتاحاً على خدمة الشبكة الاجتماعية، زادت المنافع التي يمكن أن تقدمها له الخدمة. وحتى الآن، يبدو أن المستخدمين قد صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح المنفعة على حساب الخصوصية، لكن الأحداث المستقبلية ربما تجعل أعداداً كبيرة من المستخدمين يغيرون اختياراتهم، وبالتالي حرمان خدمات الشبكة الاجتماعية من المعلومات التي تحتاجها حتى تظل ذات صلة بالنسبة للمستخدمين. وثمة عنصر آخر من مسببات عدم اليقين، والذي يتعلق بأعمال الشبكات الاجتماعية نفسها كقطاع تجاري. فتاريخياً، كانت حياة خدمات الشبكات الاجتماعية قصيرة نسبياً، حيث يمل المستخدمون من إحدى الخدمات فيتقاطرون على أخرى، أو عندما يفشل مزودو الخدمات في تطوير طرق لكسب المال والنمو. وقد برز الفيسبوك في مختلف أنحاء العالم باعتباره الشبكة الاجتماعية المهيمنة عالمياً، مع ما يقرب من مليار مستخدم، لكن استمرار هيمنته خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة (أو حتى الخمس المقبلة) يبقى أمراً غير مضمون. وقد لا تكون الشبكات الاجتماعية المهيمنة مستقبلاً حتى منظمات رسمية، وإنما يمكن أن تكون، بدلاً من ذلك، تجمعات فوضوية مبنية على متغيرات معقدة من التكنولوجيات وتبادل الملفات بطريقة الند للند، والتي ربما لا تكون لحكومات البلدان النامية وللكثير من حكومات العالم المتقدم أمامها رافعة تفاوضية يعتد بها. ومع ذلك، يرجح أن تقوم الحكومة الصينية والعديد من الحكومات غيرها بفرض قيود مشددة على أي خدمات تهدد سيطرتها على تدفق المعلومات.
المدن الذكية
المدن الذكية هي بيئات حضرية تعزز حلول المعلومات القائمة على التكنولوجيا لزيادة إنتاجية المواطنين الاقتصادية وتحسين نوعية الحياة، بينما تقلل من استهلاك الموارد والتدهور البيئي. وفي المدن الذكية، تشكل قدرات تكنولوجيا المعلومات المتقدمة أساس التخطيط الحضري، والحكم، وإدارة الموارد، والبنية التحتية المادية، والبنية التحتية للاتصالات، وتصميم المباني والإنشاءات، ونظم النقل، وخدمات الأمن وخدمات الطوارئ، ونظم الاستجابة للكوارث. ولا تحقق العديد من هذه القدرات قيمتها القصوى إلا في سياق نظام متكامل. فعلى سبيل المثال، تزود حلول "لوحة مراقبة أداء المدينة" مديري المدن بالوعي الظرفي الشامل لحالة مدنهم في الزمن الحقيقي. وتقوم لوحات مراقبة أداء المدينة بدمج البيانات القادمة من مجموعة واسعة من المصادر الموزعة في جميع أنحاء المدينة، والتي يمكن أن تضم الكاميرات وصفائف الاستشعار الموزعة التي تراقب صحة البنى التحتية الحساسة، مثل النقل والطاقة وإمدادات المياه.
وسوف توفر لوحات قياس الأداء والمراقبة أيضاً معلومات قيمة ومدخلات مناسبة لأنشطة النمذجة والمحاكاة التي يمكن أن تساعد المدن في النمو بطريقة أكثر سلاسة. كما تقوم تقنيات المدن الذكية أيضاً بدعم البنى التحتية الخاصة وتكون متصلة بها. وعلى سبيل المثال، سوف يتفاعل المواطنون بشكل متزايد مع البنية التحتية للمدينة الذكية عن طريق الهواتف الذكية، والتي بدأت تشهد استخدامها مسبقاً كمنصات استشعار لتزويد أنظمة المدن الذكية بتغذية البيانات الراجعة.
يمكن أن تنفق الحكومات في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في البلدان النامية، ما يصل إلى 35 تريليون دولار على مشاريع الأشغال العامة خلال العقدين القادمين. وحتى تفعل ذلك بطريقة تحقق أقصى قدر من الاستدامة، ونوعية الحياة، والتنافسية الاقتصادية، سوف تحتاج هذه الحكومات إلى مزيج من المناهج المبتكرة والأصيلة لحفظ الأمن والطاقة والمياه، وتوزيع الموارد، وإدارة النفايات، وإدارة الكوارث، والبناء، والنقل. وتقدم هذه المجالات فرصاً هائلة لسوق تكنولوجيا المعلومات، وتكامل النظم، ومزودي التكنولوجيا المستدامة والمتكاملة -لضمان تطور المدن العملاقة. وسوف يتم بناء بعض المدن الكبرى المستقبلية في العالم من الصفر، ما يمكِّن من استخدام أسلوب لائحة التصميم الفارغة لتصميم البنية التحتية وتنفيذها. ويمكن أن يسمح مثل هذا النهج بأفضل نشر فعال ممكن للتكنولوجيات الجديدة في المناطق الحضرية، أو يمكنه أن ينتج الكوابيس الحضرية في المقابل، في حال لم يتم نشر التكنولوجيات الجديدة بشكل يتسم بالفعالية. وسوف تحتاج معظم المدن الكبرى العملاقة إلى دمج التكنولوجيات والأساليب الجديدة في البنى التحتية القائمة -المادية والاجتماعية، والحكومية- وهي عملية قد لا تأتي دائماً بنتائج جيدة -أو أنها قد لا تحدث على الإطلاق. وعلى أي حال، وسواء في المدن التي تُبنى من الصفر أو المدن التي تحتاج إلى دمج التكنولوجيات الجديدة في البنى التحتية القائمة، سوف تتمثل التحديات الرئيسية في الحجم الهائل، وتعقيد، وتكاليف التكنولوجيات الجديدة. ومع هذا الاستثمار المكثف في البنى التحتية للمدن الذكية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، والمراكز الحضرية الآسيوية بشكل خاص، سوف تشرع البؤرة المركزية لإبداع المدن الذكية بالابتعاد عن أوروبا وأميركا الشمالية بحلول العام 2030.
الأتمتة وتقنيات التصنيع
مع ذهاب التصنيع إلى العالمية في العقدين الأخيرين، تشكل نظام إيكولوجي (بيئي) عالمي مكوّن من المصنعين، والموردين، وشركات الخدمات اللوجستية. وتنطوي تقنيات التصنيع والأتمتة الجديدة، مثل التصنيع الجمعي (المُضاف) additive manufacturing (الطباعة ثلاثية الأبعاد) (3) والروبوتيات robotics على إمكانية تغيير أنماط العمل في العالمين النامي والمتقدم. ومع ذلك، وقياساً على الاتجاهات الحالية، قد يكون أي انتقال في هذا الصدد بطيئاً نسبياً. في البلدان المتقدمة، تمتلك هذه التقنيات القدرة على تحسين الإنتاجية، ومعالجة ضغوط العمل، والتقليل من الحاجة إلى الاستعانة بالمصادر الخارجية (إقامة المصانع في الخارج حيث كلفة العمالة أقل)، وخاصة إذا جلب تقليل طول سلاسل التوريد فوائد واضحة. ومع ذلك، يمكن أن يكون لهذه التكنولوجيات تأثير مماثل لتأثير الاستعانة بالمصادر الخارجية، من حيث جعل المزيد من عمال التصنيع منخفضي المهارة أو شبه المهرة في الاقتصادات المتقدمة فائضين عن الحاجة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم المساواة على المستويات المحلية. وبالنسبة للاقتصادات النامية، ولا سيما الآسيوية، سوف تحفز التكنولوجيات الجديدة قدرات تصنيع جديدة، وستزيد من القدرة التنافسية للمصنعين والموردين.
الروبوتيات
اليوم، أصبحت تقنيات الروبوتيات (تقنيات استخدام الإنسان الآلي) قيد الاستخدام في مجموعة متنوعة من التطبيقات المدنية والعسكرية. وتقوم الأنظمة الآلية (الروبوتيات) بأداء معالجات مادية مماثلة لما يقوم به البشر؛ وهي معالجات قابلة للبرمجة بحيث يمكن القيام بها بشكل مستقل أو من خلال التحكم عن بعد. وتمتلك الروبوتات قدرات استشعار وقدرات ميكانيكية أفضل مما لدى البشر، ما يجعلها مثالية للقيام بالمهام الروتينية. وقد حولت الروبوتات الصناعية الكثير من بيئات التصنيع؛ وهناك أكثر من 1.2 مليون روبوت صناعي منخرطة بالفعل في عمليات التشغيل اليومية في جميع أنحاء العالم. وتقوم الروبوتات المنزلية بتنظيف البيوت وتشذيب أعشاب المروج؛ فيما تقوم روبوتات المشافي بمسح الممرات وتوزيع الإمدادات، ويمتلك الجيش الأميركي الآلاف من الروبوتات العاملة في ميادين القتال. ويظهر الآن جيل جديد من الروبوتات لتطبيقات قطاع الخدمات، بما في ذلك خدمات التنظيف، والعلاقات العامة، والصيانة.
يقوم المطورون بتوسيع قدرات الروبوتات، عابرين الحدود بين الروبوتات الصناعية وغير الصناعية. وعلى الرغم من أن الكثير من التطوير ما يزال مطلوباً لتحسين قدرات الروبوتات الإدراكية، فإن هناك الكثير من لبنات البناء لأنظمة مستقبلية وتخريبية إلى حد كبير يمكن أن تكون جاهزة بحلول العام 2030. ويمكن لمثل هذه الروبوتية القضاء على الحاجة إلى العمل البشري تماماً في بعض بيئات التصنيع، حيث تصبح الأتمتة الشاملة أكثر فعالية للاقتصادات المتقدمة، من حيث التكلفة، من التصنيع الذي يستعين بالمصادر الخارجية (المصانع في الدول ذات الأيدي العاملة الرخيصة). وحتى في البلدان النامية، قد تحل الروبوتات محل بعض العمل اليدوي المحلي في قطاعات مثل الإلكترونيات، بما ينطوي على احتمال خفض الأجور المحلية.
من المتوقع أن تزيد الجيوش استخدامها للروبوتات من أجل الحد من التعرض البشري في الأوضاع والبيئات عالية المخاطر، فضلاً عن تعويض عدد القوات اللازمة لتنفيذ عمليات معينة. ويمكن أن تعمل القدرة على نشر هذه الروبوتات بسرعة لأداء مهام خاصة، على مساعدة المخططين العسكريين في معالجة الطلب الأوسع على الموارد الموجودة في عالم يصبح أكثر تجزيئاً وتعدداً في الأقطاب. وسوف تصبح روبوتات الرعاية الصحية ورعاية المسنين أكثر استقلالية، وستصبح قادرة على التفاعل مع البشر. ومع ذلك، فإنها ستكون قادرة على أداء وظائف متخصصة فقط، مثل تقديم الدعم الجراحي أو أداء بعض المهام التي تساعد في الحياة اليومية. وسوف تعالج الروبوتية بعض تأثيرات شيخوخة المجتمع، لكن من المرجح أن يكون تأثيرها خلال السنوات العشرين القادمة أكثر وضوحاً في بلدان معينة، مثل اليابان وكوريا الشمالية.
تشكل التكلفة دافعاً وعائقاً على حد سواء أمام تطبيق تكنولوجيات الروبوتية. وغالباً ما يكون شراء الروبوتات مكلفاً، لكن قدرتها على تكرار المهام بكفاءة وبسرعة، وتقليل المخلفات، أو تقليل تكاليف العمالة يمكن أن توفر أموال الشركات. ويمكن للمصنعين تأجير الروبوتات المكلفة للمستخدمين، لكن تكلفة الوحدة يجب أن تنخفض كثيراً قبل أن تظهر تطبيقات واسعة النطاق. ويشكل تطوير التكنولوجيا أكبر عائق أمام الروبوتيات غير الصناعية، لأنه يجب على الباحثين تذليل عقبات كبرى فيما يتعلق بتطوير ذكاء الروبوتات وقدراتها الإدراكية، بما في ذلك فهمها للعالم من حولها، والتعامل مع الأحداث غير المتوقعة، والتفاعل مع البشر. ومع ذلك، ومع توفر العديد من التقنيات المتاحة الآن على الرف، ربما يتمكن جيل جديد من المطورين والمتحمسين بناء منتجات روبوتية جديدة، والتي تتمتع بعضها بقدرات يحتمل أن تكون خطيرة. وسيتم تصور العديد من هذه التطبيقات غير الصناعية وتسويقها في البداية في البلدان المتقدمة اليوم، لكن مثل هذه التطبيقات ستواجه تدقيقاً وفحصاً غير مسبوقين من قبل وسائل الإعلام. كما يمكن أن يؤثر رد فعل الجمهور أيضاً على تطوير الروبوتيات غير الصناعية.
المَركبات ذاتية الحركة
اليوم، تُستخدم المركبات ذاتية الحركة والتي يتم تشغيلها عن بعد في معظمها في المهام العسكرية ولأداء مهام صناعية محددة في المواقع النائية. وتستخدم شركات التعدين المركبات المشغلة عن بعد و/ أو ذاتية الحركة من أجل تحسين شروط السلامة وتخفيض التكاليف، وزيادة الكفاءة، ومعالجة مشكلة نقص العمالة الماهرة. ويشير مفهوم المركبة المشغلة عن بعد إما إلى نسخة تعمل عن بعد من المركبات الأرضية أو البحرية أو الجوية التقليدية، أو إلى منصات روبوتية متحركة تعمل عن بعد، مثل روبوتات التخلص من القنابل وتفجيرها، والغواصات المربوطة بحبال. ويتم التحكم بالعربات عن بعد باستخدام الموجات اللاسلكية أو عن طريق الحبال والمحركات الكهربائية والهيدروليكية المدمجة، فضلاً عن الكاميرات وأجهزة الاستشعار الأخرى لأغراض المراقبة. وتدمج المركبات ذاتية الحركة، وهي منصات نقالة يمكن أن تعمل دون أي رقابة بشرية مباشرة، أجهزة الاستشعار مع برمجيات التحكم لتوجيه المركبة وتفادي العقبات. وقد تستخدم المركبات ذاتية الحركة أيضاً الرادار أو أجهزة الكشف القائمة على تقنية الليزر لتعقب الأجسام واستخلاص البيانات من نظم ملاحة الأقمار الصناعية العالمية والمعلومات الجغرافية لتسهيل عمليات الملاحة والمناورة.
يمكن أن تقوم المركبات ذاتية الحركة بتغيير طبيعة العمليات العسكرية، وحل النزاعات، والنقل، والتنقيب الجيولوجي، في حين أنها قد تشكل مخاطر أمنية كبيرة في الوقت نفسه، والتي يمكن أن يكون من الصعب معالجتها. ويتم بالفعل استخدام الطائرات بدون طيار للقيام بأعمال التجسس أو إطلاق الصواريخ. وبحلول العام 2030، يمكن أن تكون الطائرات بدون طيار قيد الاستعمال الشائع لرصد الصراعات داخل الدول وبين الدول، وفرض مناطق حظر الطيران، أو مسح الحدود الوطنية. ويمكن للطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة المزودة بالكاميرات وأنواع أخرى من أجهزة الاستشعار دعم التنقيب في المناطق الجغرافية الواسعة، ودعم الزراعة الدقيقة، أو تفقد خطوط الكهرباء عن بعد. ويمكن أن تجلب المركبات ذاتية الحركة حقبة جديدة من التصنيع في التعدين والزراعة، ومعالجة الطلب المتزايد من الاقتصادات النامية. ويمكن أن تشرع السيارات ذاتية القيادة في معالجة الازدحامات التي تزداد سوءاً في المناطق الحضرية، والحد من حوادث الطرق وتحسين إنتاجية الأفراد (من خلال منح السائقين حرية العمل خلال رحلات النقل). ويحتمل أن تظهر الابتكارات الخاصة بالنقل الجماعي من المناطق الحضرية الأسرع نمواً في آسيا. ومع ذلك، يمكن أن ينجم المزيد من التخريب جراء استخدام الإرهابيين لمنصات الطائرات المدنية بدون طيار لإيصال المتفجرات أو الأسلحة غير التقليدية.
المشكلة الرئيسية بالنسبة للمركبات ذاتية الحركة -وإلى حد ما، تلك التي تشغّل عن بعد، هي القلق بشأن ما إذا كانت مثل هذه المركبات يمكن أن تعمل بشكل آمن وموثوق، وخصوصاً عندما تعمل في –أو فوق- المناطق المزدحمة بالسكان. ولهذا السبب، تقوم معظم الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم بوضع الكثير جداً من القيود على عمل الطائرات بدون طيار في المجال الجوي المدني. وما تزال العربات ذاتية القيادة التي يجري اختبارها حالياً على الطرق العامة تعتمد على سائق بشري يقظ يمكن أن يمسك بالمقود ويتولى الأمر في أي لحظة. وثمة عائق آخر يقف أمام الطائرات بدون طيار، هو مسألة القبول: ويبدو أن المستخدمين لم يجدوا أي صعوبة تذكر في التكيف مع وجود روبوتات المكاتب وأماكن العمل التي يجري التحكم بها عن بعد، لكن تيسير الانتقال من المركبات التي يقودها الإنسان إلى المركبات ذاتية القيادة ربما يكون أكثر صعوبة.

هوامش
(1)  مغير اللعبة game changes: هو شخص أو فكرة تغير القواعد والعمليات والاستراتيجيات وإدارة المهمات المقبولة والمتعارف عليها. أو هو عنصر أو مكون مُنتج حديثاً، يقوم بتغيير وضع أو نشاط قائم بطريقة يعتد بها.
(2) معمار السحابة cloud architecture: نظام استخدام مصادر الحوسبة (الأدوات والبرمجيات) التي تقدم كخدمة على إحدى الشبكات (الإنترنت عادة). وجاء الاسم من استخدام رمز على شكل سحابة كرسم تجريدي للبنية التحتية المعقدة التي تحتويها في رسوم النظام.
(3) التصنيع المضاف additive manufacturing: (الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D printing) هي عملية تصنيع جسم صلب حقيقي ثلاثي الأبعاد بأي شكل كان من نموذج رقمي. ويتم إنجاز الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام عملية جمعيّة تراكمية، حيث يتم بناء طبقات متعاقبة من المادة بأشكال مختلفة لإنتاج الأجسام المختلفة. وتتميز عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد عن تقنيات الآلات القديمة التي اعتمدت غالباً على حتّ وإزالة المادة باستخدام أساليب مثل القطع والحفر.