تكتيك حكومي

موسم الثقة الذي تعيشه الحكومة يجعلها تحلل موقف كل نائب، وتتوقف عند الملاحظات، وتحاول ما امكنها ان تقرأ التوقعات، رغم ان هذا صعب بوجود 11 كتلة نيابية.

اضافة اعلان

لكن تكتيك الحكومة لم يكن موفقا منذ الجلسة الاولى للدورة الاستثنائية، ففشلت في تمرير مشروع القانون الخاص بالاتفاقية مع الولايات المتحدة حول مجرمي الحرب، رغم ان هذه الاتفاقية من الناحية السياسية هامة للحكومة في علاقاتها مع واشنطن. ولم يكن من حسن التدبير وادارة الامور ان يتم عرض الاتفاقية في اللحظات الاولى من اول لقاء بين الحكومة والنواب تحت القبة، إذ يبحث البعض عن ثغرة ليرفع صوته في وجه الحكومة، كما ان البعض يحمل في داخله توترا كبيرا كانت تلك الاتفاقية المجال المباشر لتفريغه، فضلا عن الرافضين لها من الناحية السياسية. والمفارقة ان الحكومة لم تتحدث دفاعا او تبريرا لمشروع القانون، وظهر رئيسها ونوابه ووزير العدل صامتين، وكأن هذا المشروع لم تقدمه الحكومة وهبط على المجلس من السماء! لكن هذا الصمت يعني امرا هاما، وهو غياب التنسيق وعدم تحضير الدرس جيدا، او ان الحكومة طغى عليها الاستغراب والدهشة.

ما ظهر من نقد النواب في اليوم الاول ليس امرا مشجعا للحكومة. فحتى لو استمر النواب في حالة انفصام بين خطاباتهم وتصويتهم، فان امام الحكومة مشكلة من نوع خاص، وهي انها منذ جاءت تشبه من قيّد نفسه بالحبال وترك نفسه هدفا لكل نقد واستهداف. وربما لدى بعض الاوساط السياسية قناعة بان الحكومة ذات عمر قصير، وان ما لحق بها لا يمكّنها من الاستمرار اكثر من نهاية العام. وهذه القناعة تجعل من السادة النواب غير راغبين في مجاملة حكومة اصابتها السهام في كل شبر من جسمها؛ فالنائب لا يمكنه ان يضحي بمصلحته وعلاقته مع ناخبيه مع بداية العام النيابي الثالث من اجل عيون حكومة لا يعتقد بطول عمرها.

ولعل هذه الحكومة لا تريد ان تمارس ما مارسته حكومات سابقة من عقد صفقات فردية وشخصية مع النواب، من تعيينات وغيرها. وهذه الكولسات كانت تفسر انقلاب فئات نيابية على خطاباتها. كما ان بعض الحكومات كانت تستعين بكل مفردات الدولة من اجل الحصول على الثقة او تمرير الموازنة.

رئيس الوزراء يحاول التصرف بأخلاقيات الفروسية والنبل، وهذا لا يكفي في العمل السياسي. فالحكومة تعتقد ان رفع الاسعار قبل الثقة ممارسة اخلاقية غير انتهازية، بخلاف حكومات سابقة رفعت الاسعار بعد ايام قليلة فقط من انتهاء دورة عادية للمجلس. وهذا التقدير يجد صداه لدى البعض، لكن العمل السياسي لا تتحقق غاياته بهذا المعيار فقط. وعلى الحكومة ايضا ان لا تعتقد ان حسن صياغتها لبيانها الوزاري هو جزء من ادارة المعركة، فالبيان لا يقرأه الا القليل من الناس والنواب، وكل نائب لديه قضاياه التي يريد الحديث فيها، واي نائب هذا الذي يتوقف عند البيان الوزاري، مهما كان جميلا، ويترك رفع الاسعار والقضايا الاخرى؟!

الحكومة لم تنجح في بناء تركيبتها في ايامها الاولى، وفتحت على نفسها ابواب النقد والهجوم، ولم تقدم اداء متماسكا في ادارة الازمة حتى التعديل، وعندما جاء التعديل لقي النقد والرفض. كما مارست تكتيكا غير سليم في ادارة مشروع قانون الاتفاقية مع الولايات المتحدة، وخسرت الجولة. وهي امام اختيار صعب في ادارة قضية الثقة، فالصمت ليس دائما من ذهب، والكلام غير المقنع ليس من فضة، ومعيار تحول الكلام الى فضة والصمت الى ذهب هو الخبرة وحسن التوقيت.