تلك الخيمة لم تكن فلسطينية

في ذكرى نكبة فلسطين العام 1948، يكتب كثيرون، غير أنني كل ذكرى يخطر في بالي سؤال واحد، وهو سؤال يرتبط بالنكبة من جهة، وبالصورة الإنسانية الغائبة. اسأل دوما وأتمنى لو اعرف الإجابة، ولربما صعبة هي، عن هوية ذلك الشخص الذي نصب اول خيمة بعد اللجوء، ومن هو، ومن أي منطقة هو من فلسطين، وأين أقام خيمته، وانا هنا لا اتحدث عن اول مخيم أقيم، بل عن ذلك الشخص الذي كان الأول من بين كل الفلسطينيين في دق وتد الخيمة اللعينة، ونصبها في مكان ما؟ ومن السؤال يلد سؤال آخر، عن موقع تلك الخيمة، هل كانت في مدينة من مدن الضفة الغربية قبل ان تسقط لاحقا في 1967، او في غزة، او لبنان او سورية او الأردن؟! ربما يبدو السؤال لا قيمة له امام النكبة الجمعية، لكن قيمته تكمن في قراءة مشاعر ذلك الرجل الذي انحنى ظهره، عجوزا او شابا، وهو يدق بيده الوتد الأول، لخيمة اللجوء الأولى، من بين ملايين الخيم، وبماذا كان يفكر، واذا ما كان حيا حتى هذه الأيام، وكيف استبصر الطريق، خلال تلك اللحظات التي كان يقيم بها خيمته الأولى، وبماذا يمكن ان يعلق هذه الأيام بعد عشرات السنين من إقامة خيمته، التي بالتأكيد لم تبق خيمة، وربما تحولت الى منزل حجري، او من الطوب، او الصفيح المصفح مرتين؟ في لحظات الهوان العربي، وخروج ملايين الفلسطينيين، بدت كل القصة للوهلة الأولى، فلسطينية، من حيث الاضرار الفردية والجمعية، واذا كان كثيرون اعتبروا يومها ان مصيبة صاحب الخيمة الأولى، ومن تلاه من لاجئين في كل مكان، مصيبة تتعلق به وحده، او مصيبة فلسطينية في وجه من اوجهها، فقد ثبت هذه الأيام، ان ذاك الوتد الذي تم دقه في الأرض لتلك الخيمة، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، كان وتدا مزروعا في ظهور ملايين العرب، أيضا، والذين استهانوا وظنوا ان النار الإسرائيلية لن تحرق ثيابهم، خسروا رهانهم، فقد ولدت الخيمة الأولى ملايين الخيم، وعشرات ملايين اللاجئين بسبب المشروع الإسرائيلي، ومن يريد تدمير خزان الدم القومي، في جوار كل فلسطين. ها نحن نرى ملايين الخيم في كل مكان، لاجئون عراقيون في خيمهم في كل مكان في العراق، ولاجئون سوريون في خيمهم في كل موقع في سورية ولبنان والأردن، ومعهم من ينتظر دوره، وهو يرى ان العالم العربي، يتحول كله الى مخيم كبير، ومن درجات مختلفة، ولاعتبارات مختلفة، خيام في كل مكان، ولاجئون عند كل حدود. هذا يقول ما قاله المستبصرون سابقا حول ان لعنة المشروع الإسرائيلي، لن تقف عند حدود الفلسطينيين، اذ ان أحلام إسرائيل وخريطتها أوسع، وتريد ان تحكم كل الهلال الخصيب، بلاد الشام والعراق، وهي أيضا تدرك ان الفلسطيني غير قادر وحيدا مهما استبدت به احاسيس العظمة، على تحرير فلسطين، اذ بدون جواره الاجتماعي والوطني في كل جوار فلسطين، لن تقوم له قائمة، فتم مد اللعنة على كل هذا المشرق، بوسائل مختلفة، وبيد أبناء المنطقة، من اجل ارهاق هذا الشرق، واضعافه وتدميره. ذلك الذي دق وتد خيمته الأولى، لم يكن يعرف ان ملايين الاوتاد ستدق لاحقا في قلوبنا، والفلسطيني والسوري والعراقي واللبناني واليمني وغيرهم، ممن دقوا اوتاد خيمهم بأنفسهم عبر عقود، يدمون القلب بشكل متساو، ومن قال لكم ان العراق ليس مقدسا أيضا كما فلسطين، وان سورية ليست مقدسة كما فلسطين، ولماذا يقع بعضنا في افك التفضيل، أي ان فلسطين اكثر أهمية من غيرها، ونحن نرى ان التفضيل هنا، لا يختلف في ضرره الأخلاقي، عن كلفة التهاون من الاخرين بحق فلسطين، وتفضيل شعوبهم ودولهم على فلسطين وأهلها، وعلى هذا، فالكل يشترك في قداسة الأرض والتاريخ، والكل أيضا، متورط في مسؤولية ما، مثلما ان الكل مؤهل للانضمام لمشاريع الخيم والمخيمات الحالية، وتلك المقبلة على درب الآلام الذي نعبره. سلام عليه ذاك الذي كان اول شخص ينصب خيمة اللجوء الأولى، ويدق الوتد الأول، ولو عادت به الأيام الى تلك اللحظات، لاكتشف انه كان بفعل هزيمة وخذلانا يؤسس لأكبر مخيم قومي في تاريخ العرب، ممتد من الشرق الى الغرب، اغنى شعوب الأرض، لكنهم افقرها، واكثر شعوب الأرض وحدة من حيث الهوية، لكنهم الأكثر تمزقا، وهو أيضا، أي صاحبنا لا نحاكمه ولا نلومه على انه لم يرفض استدراجه نحو إقامة خيمته الأولى، فهو أيضا، كان وحيدا، وتركه الاخرون، ظنا منهم انهم سينجون فرادى، وقد ثبت العكس، فتصير امنيتنا فقط، عدم افتتاح مخيمات جديدة.اضافة اعلان