.jpg)
عبد العزيز الخضرا*
عمان – إذا نظرنا إلى الطبيعة المحيطة بنا من بحار وجبال وسهول وأنهار، بعواملها الطبيعية المتقلبة من حرارة وضغط ورياح وأمطار، وما فيها من مخلوقات أبدعها البارئ من نبات أو حيوان وغيرها، فإننا نتلمس حكمة الله سبحانه وتعالى في صنع هذه البيئة، والتي تستحق من الخلق الحفاظ على عناصرها ومكوناتها الطبيعية والحفاظ على التوازن البيئي والحيوي فيما بينها فقد أوجد الله فينا نحن البشر الحواس الخمسة للاستمتاع بما سخره الله لنا في هذا العالم. فالإنسان يمتلك القدرة على استثمار هذه الحواس وتطويرها وتوظيفها لما يعود عليه بالفائدة، ما حققه الإنسان عبر تاريخ تطور البشرية، من تقنيات ووسائل ومنشآت وآليات، لم يعمل على تسخير ما بين أيدينا من مصادر طبيعية فحسب، بل فاق ذلك إلى استنزاف كبير لهذه المصادر، ومنتجات كان لها الكثير من الآثار السلبية في تغيير البيئة التي نعيش بها، وتغيير في طبيعة الإنسان الفطرية.
لم تسلم الحواس الإنسانية من التأثيرات السلبية لحركة التطور التكنولوجي والمعلوماتي في مجال الاتصالات، أو الصناعة والإنتاج، ذلك لأن الحواس الخمسة التي يتمتع بها الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع البيئة التي يعيش بها، وتتطور أو تتدهور مع تغيرات العوامل الخارجية وتأثيراتها. حيث ارتبط تلوث الحواس وثيقاً بعوامل التحضر والتقدّم، خاصة في الأماكن الصناعية التي تقوم على استخدام الآلات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، بل ندرك قيمة الخسارة التي ضحى بها الإنسان مقابل السعي والتنافس نحو التطور؟؟
قد لا يدرك الفرد أن التطور والتقدم المتزايد يؤثران عليه بشكل مباشر، حيث إن التقدم الصناعي والتطور العلمي يزيدان من نسبة تلوث البيئة، الذي بدوره ينعكس علينا وعلى تلوث قدرتنا على استشعار الإحساسات المختلفة، إضافة إلى غياب مظاهر الراحة والقدرة على التأمل التي تعد من الأمور الأساسية في عملية التوازن والاستقرار الداخلي للفرد. فهي تحرم العين من رؤية المشاهد الجميلة وتقلل من الحس الذوقي والجمالي لهذه العين، وذلك بحد ذاته يحرمنا من الحصول على رؤية نقية خالية من التعقيدات والمصلحة والمادية، وكما تأثرت حاسة النظر، فقد تأثرت باقي حواسنا، مثل حاسة السمع، حيث إن الضوضاء المنتشرة في البيت والشارع، في المحال التجارية والأماكن العامة، من أبواق السيارات، ومن الآليات، وحركة الإنشاء والبناء المنتشرة في كل مكان، عبر الأجهزة الصوتية والأجهزة المضخمة لأجهزة الكاسيت والراديو المنتشرة في كل مكان، والتي تحولت فيها وسائل الرفاهية والإعلام والثقافة إلى منغصات مزعجة لأهل البيت والجيران وللآخرين، وحتى للمخلوقات البيئية اللاإنسانية من حيوانات وطيور، هي عنصر مستحدث للتطور الذي نادراً ما تجده في المجتمعات الريفية، حيث تجد هناك اختلافاً في طاقات وقدرات الأفراد هناك، لما يتمتعون به من راحة نفسية واسترخاء الأعضاء، ما يؤثر على التوازن العاطفي والنفسي، وعلى نسبة أعلى من التركيز ونسبة أقل من القلق والتوتر، ما ينعكس على الطبيعية والأريحية في التعامل مع الآخرين.
إن كثرة التعرض للضوضاء تؤثر على المدى البعيد على ارتفاع نسبة الإرهاق، وضعف القدرة على التركيز كما تسبب الكثير من مشاكل الأرق وقلة النوم.
عندما تكون الحواس مشبعة بكافة وسائل التقدم والتحضر الدارجة، فلن يعد بمقدور الحواس تذوق جمال البهجة العابرة الصغيرة، تماماً كما يتذوق اللسان حلاوة السكر، فلن يعود طعم الفاكهة الطبيعية مثلاً مؤثراً، ولن تهدأ وتستمتع نفوسنا بأريج العطر المنبعث من رائحة الياسمين والورد في محيط يعج بدخان السيارات والغبار. وهذه ليست بالأمور الصغيرة، لأنها تنعكس على الفرد وعلى نفسيته وقدرته على التحمل، وبالتالي تؤثر سلبياً على سلوكه، وكفاءته وأدائه، وتجعله يشعر بالكآبة والتوتر والتقلب المزاجي وتقلب المشاعر المفاجئ مثل الشعور بالفرح الذي يتبعه إحساس مفاجئ بالضيق.
*كاتب وتربوي