تل الزعتر.. لماذا الآن؟

الاهتمام هذا العام بإحياء ذكرى مجزرة مخيم تل الزعتر في لبنان (12 آب (أغسطس) 1976)، من قبل كتاب وسياسيين، وحتى خروج مظاهرات تستذكرها، لافتٌ للانتباه، فقد كانت الذكرى تمر سابقاً بدون توقف، فلماذا الآن؟ اضافة اعلان
نفذت المجزرة قوى يمينية لبنانية، وأهمها حزب الكتائب، والنمور الأحرار، وحراس الأرز. ويعتقد أنّها أسفرت عن مقتل 2200 إلى 3000 شخص؛ أي ما يفوق أو يساوي مجازر صبرا وشاتيلا العام 1982! وفي أثناء الحصار مات كثيرون من العطش، واختلط ماء البئر الوحيد المتبقي في المخيم بالدم.
لا شك أنّ العامل السوري والجدل حول ما يجري في سورية سبب رئيسي لهذا الاستذكار. إذ تشير مصادر مختلفة إلى أدوار ومواقف سورية ساعدت على حدوث المجزرة. ويقدّم صلاح خلف (أبو إياد)، في كتابه "فلسطيني بلا هوية"، رواية للدور السوري، تتكون من شقين. الأول، أنّ العلاقة توترت مع سورية قبل المجزرة تدريجيّا، وذلك بسبب سوء فهم حينا بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين من جهة ودمشق من جهة ثانية، وبسبب حوادث استفزت السوريين قامت بها فصائل تتبع دولا عربية، خصوصا العراق، وبسبب تشجيع أميركي لدمشق للعب دور عسكري في لبنان. ويقول خلف "إخواننا السوريون أوقعوا أنفسهم في الشرك الأميركي". كما يشير لجهات غامضة افتعلت أحداثًا تؤدي للتوتر بين الجانبين. الشق الثاني من رواية خلف أنّ "الكتائب" أنهوا ترددهم "بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان بعشرة أيام. وببديهة الحال فإنّهم انتظروا مبادرة دمشق ليقوموا بالمذبحة". ويعبّر خلف عن استيائه من عدم رفع العرب صوتهم "ليمارسوا به الضغوط، إن لم يكن على المليشيات، فعلى سورية التي تحميهم".
ما حصل في المجزرة، ودور سورية، وتقييم أداء وأخطاء وتقصير القيادة الفلسطينية في لبنان قبل وأثناء المجزرة، كلها قضايا نجد المعلومات عنها في كتابات صحفية وسير ذاتية، لا ترقى لمستوى بحث محايد يقيّم ويحكي حقيقة ما حصل. رغم هذا، فإنّه يمكن القول إنّه إذا كان ذكر المجزرة هذا العام مرتبطا بسورية، فإنّ تناسيها سابقا كان مرتبطا بها أيضا، وبالرغبة في التجاوز أو القفز عن دور النظام السوري، تماما كما يجري القفز عن مجازر ومجاعات المخيمات في لبنان أواسط الثمانينيات بقيادة حركة "أمل" برعاية سوريّة.
طوّر كثير من الكتّاب العرب قناعة وإيماناً أنّ النظام السوري "أفضل الموجود" عربيّا، وأنّه الذي يدعم المقاومة. هذه الفئة تنطلق من قناعات فكرية في تأييدها للنظام، لذا ربما "تنسى" المجازر فعلا ولا "تتناساها"، لأنّ تذكّرها يخلخل منظومتها العقائدية! كذلك، كان كثير من الكُتّاب يخشون ردة فعل "شبيحة الإعلام السوري" لو أثاروا القضية؛ يخشون اتهامهم بأنّهم جزء من مؤامرة إمبريالية لتشويه قوى الممانعة، هذا رغم أنّ سورية تحالفت حينها مع قوى بعضها كان هناك شبهة كبيرة حول اتصاله بإسرائيل آنئذ، وهي شبهات تأكدت لاحقا. وهنا لا بد أن نتذكر أنّ الجهة الأساسية المنفذة للمجزرة (الكتائب)، هي الآن ضمن تحالفات إقليمية تعادي دمشق، وبالتالي فإنّ داخل المعسكرين (دمشق وخصومها) مصلحة في عدم تذكر المجزرة.
الوضع مختلف الآن، فصور الأحداث الراهنة في سورية أجبرت الكثيرين من مؤيدي دمشق على مراجعة مواقفهم. كذلك، فَتَحَ الجدل حول حقيقة ما يجري في سورية الباب للتنقيب في الماضي، واستحضار ما ينفي مقولة "نظام المقاومة والممانعة". كما سمحت شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت للأفراد بتناول ما يريدون بعيدا عن حسابات الإعلام التقليدي.
المجزرة فصل من التاريخ المعاصر للمنطقة يجدر توثيقه بموضوعية، لفهم حقيقة المواقف المختلفة، أمّا تسييس الذاكرة الشعبية، بحيث يجري تذكر وتناسي الأحداث بانتقائية، فهو ظاهرة متكررة، ولكن ربما غير صحية تماماً.