تمرد الأبناء بعمر المراهقة.. سلوكيات "تقهر" الآباء وصراعات لا تنتهي!

مجد جابر

عمان- تنتاب سهاد علي حالة من التوتر النفسي والعصبي والقلق بسبب ابنتها ذات الـ19 عاماً؛ إذ تتعمد مضايقتها بسلوكها المتمرد وعدم خضوعها لأي نصائح أو قرارات وحتى توجيهات تصب بمصلحتها، ويصل بها الأمر إلى أن تتجاوز حدودها في كثير من الأحيان بطريقة الكلام، ولا تعرف كيف تتصرف معها.اضافة اعلان
تقول سهاد إن زوجها شخص عصبي جداً، وهو ما يجعلها تتكتم على تصرفات ابنتها وتخفيها عنه، ما يجعلها تعيش هذه الأزمة وحدها وتتحمل عبء المسؤولية، مبينةً أن ابنتها غير مراعية على الإطلاق لكل هذا الضغط الذي تعيشه وتضرب كلامها في عرض الحائط في كل مرة.
تشعر سهاد أنها مكتوفة اليدين، ولا تعلم الطرق السليمة التي تجعل ابنتها تتعامل بطبيعية بعيدا عن العناد والتمرد الذي يصل لرفع الصوت، ما جعلها تفكر فعلا أن تخبر والدها بكل شيء ليتصرف هو معها.
هي لا تعرف ما الخطأ الذي ارتكبته في تربية ابنتها، بالرغم من أنها أشبه بصديقة لها، لكنها تغيرت مع عمر المراهقة واستمر ذلك حتى دخولها الجامعة، ولا تستمع إلا لصديقاتها، أما الكلمة من الأم أو الأب أو الأخ فهي ثقيلة جدا عليها ولا تأخذها بعين الاعتبار.
في حين يبين إبراهيم عبدالله أن ابنه تغير منذ السنة الأولى من دخوله الجامعة، وبات غير مسيطر عليه على الإطلاق، "فليس لديه استعداد لسماع أي تعليق مني على تصرف يصدر عنه".
وفي كل مرة يحاول أن يدخل في نقاش مع ابنه يتحول لجدال عقيم وليس فيه أي نوع من المنطق ويتعامل معه بطريقة وكأنه "ند" له وليس والده، من دون أي مراعاة للاحترام والحدود. ويتساءل إبراهيم عن الخطأ الذي قام به وجعل ابنه ينشأ بهذه الخصال والسلوكيات التي يخجل منها، ولا يعرف كيف يسيطر عليها.
اختصاصيون يعتبرون أن هذه المرحلة من المراهقة يلجأ فيها الأبناء للتمرد والاستقلالية بقراراتهم وأسلوب حياتهم، غير أن النتيجة تعتمد على السلوك التربوي الذي اتبعه الأهل مع الأبناء من الصغر وما غرسوه فيهم من قيم ومبادئ تعد خطا أحمر ولا يمكن تجاوزها.
ويذهب الخبير والمستشار التربوي الدكتور عايش النوايسة، الى أن مرحلة المراهقة الوسطى هي قلب مرحلة المراهقة؛ حيث يواجهها المراهق عندما ينتقل من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية.
ويشير الى أنه في سن المراهقة يحدث تغيير كبير في سلوك المراهقين نحو والديهم؛ إذ يُصبحون مستقلين بشكل أكبر، ويبدؤون في الانفصال عن شخصيات الوالدين، ويُحاول المراهقون التغيير في مظهرهم وشخصياتهم، مما يولد صراعاً داخلياً لديهم يمكن أن يتحول إلى صراع خارجي مع الوالدين.
وتلعب عدة عوامل دورا أساسيا في تغير سلوكيات الأبناء وتمردهم على الآباء، مبيناً أن انشغال الوالدين عن تربية الأبناء نتيجة ظروف الحياة الاقتصادية والتواصل مع أطراف غير أسرية مثل عاملات المنزل وما شابه، يؤدي إلى الجمود العاطفي الذي يولد حالات من العناد لدى الأبناء.
ويشير النوايسة الى أن الطريقة "السلطوية" التي يمارسها الآباء مع الأبناء في الأغلب تؤدي إلى آثار سلبية خاصة في فترة النمو النفسي والانفعالي في مرحلة المراهقة، فتولد لدى الابن توجهات سلبية تجاه الأب تؤدي لاحقا للوصول إلى مرحلة العناد والتمرد، مبيناً أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تمرد الأبناء، محاولة فرض الآباء قناعتهم على الأبناء، ونمط تفكيرهم، وطريقة حياتهم الخاصة التي ليس لها مبرر مشروع، بل لمجرد الاعتياد الاجتماعي، فتكون الصدمة بما يحمله الأبناء من تطلعات واهتمامات، وما يفرضه العصر من أوضاع، وطريقة خاصة للحياة.
لذلك، لابد من توفير بيئة تسمح بنمو انفعالي ونفسي واجتماعي إيجابي، وذلك من خلال علاقة ودية تقوم على الاحترام والمودة الأسرية بين جميع أفراد الأسرة، ولا بد من الابتعاد عن السلطوية في العلاقة بين الآباء والأبناء، وتوفير جو يسمح بالتفاعل بينهم والتقرب من الأبناء ومعرفة حاجاتهم واهتماماتهم.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، الى أن هذه المرحلة من المراهقة المتقدمة لا بد أن تتسم بنوع من الاتزان والنضوج، وتكون قادرة على أن تفسر وتحلل وتتخذ قرارتها، لكن التمرد الذي يحدث أحياناً من هذه الفئة هي حالة لها عمقها ولها علاقة بالتربية.
وينبغي أن يتم طرح عدة تساؤلات، وفق مطارنة، إلى أي حد أعطت الأسرة الحق للابن كي يتجاوز حدوده، وإلى أي مدى خلال التربية زرعت الأسرة المبادئ والأفكار والقيم بحيث لا يتجاوزها الابن ولا يخرج عن حدوده مهما حدث، مبينا أن علاقة الابن بأهله لها خصوصيتها واحترامها الخاص وتجاوز ذلك الحد يدخل في الانحراف السلوكي.
وبالتالي، فإن هذه السلوكيات غير مقبولة على الإطلاق، ولابد أن يرى الأبناء ردة فعل من الأهل على هذه السلوكيات، وأن تكون مشتركة من الأب والأم وليس أن يكون أحدهما في صف الابن ضد الطرف الآخر، كون هذه الطريقة تشجع الابن على أن يجد فرصة للخروج عن الإطار العام.
ويلفت مطارنة الى أنه أحياناً اذا اضطر الأهل لا بد من اللجوء إلى العقاب، عبر وضع حد له حسب الحالة، ووضع نظام رقابة عليه، والتوضيح له بأنه ما يزال هناك حدود ولا يمكن له أن يتجاوزها مهما حدث، وأن هناك علاقة بين الابن وأهله لا يمكنه التطاول عليها.
ويعتبر أن الضوابط والحدود لابد أن تكون موجودة مهما وصل هذا العالم من تطور، حتى لا تصبح الأمور خارجة عن السيطرة، مبينا أن هذا يخلق نوعا من تدمير العلاقة الاجتماعية التي تربط المجتمع كاملا كأسرة وأفراد وما ينتج عنه من إشكالات مستقبلية على الشخصية والعلاقات المستقبلية ويضر بالطابع العام للمجتمع.