تنظيم المنافسة في القطاع المصرفي

بيّن تقرير لجنة الاحتياجات التمويلية أن المشكلة التمويلية في الأردن تكمن في إحجام البنوك عن الإقراض، وتشددها (غير اللازم كما أثبتت الأيام)، وارتفاع تكلفة الاقتراض. ورغم أن تقرير اللجنة يعد تقريرا مميزا ودقيقا في تحليل المشكلة ووضع الحلول لها بشكل عام، فإنه قد يكون أغفل كليا ظاهرة انعدام المنافسة بين البنوك.

اضافة اعلان

بداية، إن جذور المشكلة الاقتصادية المزمنة في الأردن تكمن ليس في الأزمة العالمية التي استخدمها البعض كغطاء لمصالحهم الخاصة أو لتقاعس أدائهم، بل في تفشي الممارسات الاحتكارية في قطاع المصارف كما تبين في الستة عشر شهرا الماضية.

فمبدأ أن ينتهج أحد المصارف الحذر أو التزمت في التعامل مع عملائه قد يعتبر ظاهرة محمودة لهذا البنك وحقا له، أما أن تمارس جميع البنوك الحذر الزائد، خاصة وأن قطاعنا المصرفي واقتصادنا لم يكونا عرضة للخطر، فهذا يؤدي الى الإضرار بالاقتصاد الكلي. لذلك، فإن ما هو مسموح به لمصرف واحد، يعد مكروها وضارا حين تمارسه المجموعة ككل ويتطلب تدخل منظمي السوق، وهو مبدأ اقتصادي محض.

فالبنوك حين تقوم برفع سعر الفائدة على القروض وتخفيضها على الودائع تمنح ذاتها هامشا ربحيا اكبر من السابق، وهي ظاهرة عادة ما تكون موجودة في الاسواق الاحتكارية وليس أسواق المنافسة. السبب لهذا الترجيح لوجود ممارسات احتكارية في قطاع المصارف هو أنه في حال وجود المنافسة في القطاع المصرفي سيقوم أحد البنوك بالانشقاق عن الآخرين بتخفيض اسعار الفائدة لكي يجذب زبائن البنوك الأخرى، وقروضا أكبر وأكثر الى محفظته، وبالتالي يستفيد من تشدد الآخرين وممارستهم التي ضربت عرض الحائط بما يرغب به الزبائن (جانب الطلب في السوق) ويزيد من حجم محفظته على حساب حصص البنوك المتعنتة في سوق الإقراض.

ومن ناحية أخرى يستطيع هذا البنك أن يمول هذه القروض من خلال رفع أسعار الفائدة على الودائع لتغطية الطلب المتزايد على خدماته، أو من خلال الاقتراض من البنك المركزي، بنك البنوك، بأسعار فائدة مخفّضة يترجمها جميعها الى ارتفاع في الودائع والاقراض لديه ويرتقي بذلك الى مصاف البنوك الكبرى.

غير ان ما هو واضح من المشاهدات السوقية في الأردن أننا لم نشاهد ابتعادا لأي من البنوك عن سياسات البنوك الأخرى بل انصياع البنوك لمدرسة واحدة ضارة بكفاءة البنوك ذاتها وخانقة للمنافسة. وهنا يأتي التساؤل: لماذا لم تقترض البنوك من البنك المركزي بأسعار الفوائد المخفضة التي أعلنها؟ لأن البنوك أحجمت عن إقراض الشركات وجعلت قروض الأفراد فقط للموظفين ومن يستطيعون برهنة ثبات دخولهم، وبالتالي تراكمت الفوائض لديها ولم تحتج للاقتراض من المركزي.

إن فشل الأسواق ظاهرة وضع لها علماء الاقتصاد وممارسو الإدارة الاقتصادية حلا في وضع قواعد المنافسة وإيجاد منظمين للأسواق كالبنوك المركزية في حال البنوك لكي لا يقع الاقتصاد ضحية للممارسات الضارة بالمنافسة والكفاءة والاقتصاد. نرجو تفعيل دور المنظمين الآن ومستقبليا.