تنفس صناعي

تنفس صناعي
تنفس صناعي

 يديعوت أحرنوت

أليكس فيشيمان

عندما تخطب كلينتون اليوم في "منتدى سبان" في واشنطن فمن المؤكد أن يقعد ايهود باراك في الصف الاول كي لا يضيع أي كلمة. يطير هذه المرة الى المؤتمر لا للمناكفة فقط. يفترض أن تمنحه وزيرة الخارجية سبب البقاء في الحكومة. فقد أكمل مساعدوها ومستشاروها مسودة ما يسمى في البيت الابيض: الخطة الجديدة لتجديد التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين من دون تجميد.

اضافة اعلان

ليست هذه الخطة قهوة بلا كافيين فقط، بل هي قهوة بلا قهوة: غثة بلا طعم وبلا رائحة ولا أمل أن يشرب أحد منها. لكن هذا عند الأميركيين افضل من لا شيء.

في ليلة الاربعاء، عندما أعلن متحدث البيت الابيض فشل تجديد التحادث بين الطرفين في مخطط التجميد، أعلن في الحقيقة موت المسيرة السياسية. فمن الآن فصاعدا سيشتغل الجميع بالصيانة فقط كي لا تنتقض حكومة نتنياهو ويحافظ أبو مازن على مقعده ولا ينفجر الشرق الاوسط.

باختصار، كي لا يحدث أي شيء قد يُفسد على اوباما المنافسة في ولاية ثانية في 2012.

هو مذنب. هو مذنب!

تحاول روايات ثلاث اليوم على الأقل أن تُبين لماذا تخلفت المسيرة السياسية. الاولى هي الحبيبة الى ديوان نتنياهو وهي أن إسرائيل والولايات المتحدة اتفقتا على رزمة، وطلب الفلسطينيون تعويضات غير ممكنة إزاء الاحسانات التي حصلت عليها إسرائيل. فهم لم يحبوا طائرات الشبح، والالتزامات العسكرية والسياسية المفرطة. وكان الاستنتاج أن أبا مازن مذنب.

وصدرت الرواية الثانية ايضا عن محيط رئيس الحكومة، حتى إن الأميركيين طلبوا اليه الكف عن ذلك ببساطة. تحدثت هذه الرواية ايضا عن ان هيلاري ونتنياهو، مع انقضاء لقاء امتد سبع ساعات اتفقا على طائرات اخرى وفيتو أميركي في مجلس الأمن، ووجود إسرائيلي في غور الاردن وسائر احسانات لإسرائيل. لكن تبين آنذاك – كما قالت الحكايات التي صدرت عن القدس – انه ليس لوزيرة الخارجية دعم من رئيسها لتنثر وعودا باهظة التكاليف الى هذا الحد. والاستنتاج أن اوباما مذنب.

علموا في ديوان رئيس الحكومة جيدا انه مع عودة نتنياهو إلى إسرائيل فورا وقبل عقد اللجنة السباعية تم الفحص مرة اخرى بالهاتف على الصيغة التي عرضت على السباعية. بهذه المكالمة الهاتفية، بين كلينتون والمسؤول الإسرائيلي الكبير، مرا مرة اخرى على كل مادة ومادة.

والى ذلك، دعت وزيرة الخارجية الرئيس الى محادثتها على الهاتف وتصديق ما قيل.

والرواية الثالثة تأتي من واشنطن: فالصراعات داخل البيت الابيض إثر فشل الديمقراطيين في انتخابات مجلس النواب حُسمت. تم الصراع الرئيس بين مستشاري الرئيس السياسيين ومستشاريه الاستراتيجيين، والعلامة الواضحة على انتصار المستشارين السياسيين هي تبديل رئيس مجلس الامن القومي. فقد عُين بدل الجنرال جيمس جونز الخبير الاستراتيجي، والعسكري، نائبه توم دونيلون الذي نشأ في المستوى السياسي.

بعبارة اخرى اقتنع الرئيس بأن السلام في الشرق الاوسط ليس في متناول اليد. هذا الشأن مجنون جدا، ولا أمل أن يتم أي شيء ذو أهمية في غضون سنة. أوضح مستشارو اوباما للانتخابات، وأناس استطلاعات الرأي والفريق الرفيع المستوى من الديمقراطيين، أوضحوا للرئيس أن شؤون الشرق الاوسط لن تُسهم في شيء في انتخابه من جديد.

آنذاك اتخذ اوباما قرارا بأن يخرج من اللعبة. استدعوني اذا نجحتم عرضا في إحداث صيغة ما.

وهكذا اعلنت الادارة رسميا بأنها فشلت.

أي سعادة

سيُعرض بديل الصيانة فقط في "منتدى سبان". ستقول وزيرة الخارجية، بحسب مصادر مطلعة في واشنطن هناك: فشلنا في اجراء تكتيكي لكننا سنبحث عن مخطط آخر.

ستقول كلينتون إن شأن الشرق الاوسط يهمنا جدا، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تريد السلام أكثر من الجانبين أنفسهما. أنا أدعو الجانبين الى المجيء الى واشنطن، لاجراء تفاوض مباشر بحضورنا في جميع القضايا الجوهرية، وأن يكون ذلك بقصد التوصل الى اتفاق اطار في غضون سنة.

هل يبدو هذا معروفا؟ ليس هذا باتفاق. فهذه نفس الصيغة القديمة التي عرضتها في بداية ولايتها. فهي اليوم كما كانت آنذاك مقتنعة بأنه يمكن مع تفاوض متواصل ذي موضوع تسوية المطالب الفلسطينية والإسرائيلية.

هذه ايضا هي الصيغة التي يفترض أن تكون ذريعة لبقاء باراك في الحكومة وهي وجود "مخطط جديد". فحتى وزير الأمن، مع سخريته كلها، يفضل احيانا أن يغمض عينه عن الخدعة.

صيغة كلينتون خبط. فهي الشيء وضده. وهذا هو سبب أن يوجد الآن عشية الخطاب في بلاطها خبراء يحاولون التأثير فيها لاجراء تغييرات فيها في اللحظة الأخيرة. يوضحون لها قائلين: يا سيدتي، توشكين أن تتلقي الضرب من كل محلل سائل الأنف ومن كل سياسي مبتدئ. فلا يوجد في الخطة أي أساس لأمل، ولا يوجد فيها ما يترك احتمالا للنجاح. فلماذا يأتي الفلسطينيون للتفاوض مع هذه الصيغة؟.

يحاول المستشارون انقاذ صورة ربة عملهم. فهم يرون انه لا يجوز حتى وإن ماتت المسيرة السياسية إظهار الجثة لأي أحد. قد يكون ثمن باهظ لمجرد اعلان موت المسيرة، وقد يكون أكبر حتى من ثمن موتها.

هذه الصيغة غير الطائلة هي قاعدة جميع الاتصالات في العقد الأخير التي لم تنجح كما تذكرون، بيد أن الأميركيين هذه المرة يعدون من وراء الأستار قائلين سنكون أكثر جدّية. ليس واضحا عن أي وفود تتحدث كلينتون أيكون الزعماء هم الذين يأتون الى المحادثات في واشنطن أم الموظفون وبأي مستوى وبأي تواتر – لكن هذا لا يهم أحدا في الحقيقة. فهم لا يشغلون انفسهم هنا بالتفاوض بل يشغلونها بالصيانة.

هناك إذن في ديوان رئيس الحكومة سعادة كبيرة: فقد انقضت المسيرة السياسية ولا يتهمون إسرائيل بالفشل. أصبح من المريح الآن فجأة لمستشاري رئيس الحكومة أن يعترفوا بأنه لم يكن منذ البداية أي صلة بين طائرات الشبح وبين التجميد.

فقد أُجيزت وحدة طيران واحدة لسلاح الجو في آب. وتشتمل الخطط التي قدمتها إسرائيل الى الأميركيين على اثنتين أخريين ترميان الى الحفاظ على تفوقها في المنطقة. ما زال ذلك لم يتم بحثه ولم يكن قرار. كانت هذه منذ البداية حيلة دعائية من نتنياهو ولم تشتمل اطالة التجميد قط على طائرات الشبح.

يرى رئيس حزب العمل أن خطة كلينتون ستكون مسوغا للبقاء في الحكومة.

لكن اوباما في مقابلة ذلك غاضب حتى وإن ابتلع ريقه. وهو يترك الانتقام لايام اخرى. ينصرف الآن عن التفاوض ويُبقيه في المكان الثاني. في عيد الميلاد يفترض أن يُنهي المبعوث الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشيل عمله. ما زال غير واضح من سيحل محله لكنهم سيهتمون بأن يُرسلوا شخصا ما الى هنا. يجب أن يكون مبعوث رفيع المستوى ما دائما الى هذه المنطقة يحافظ على المصالح.

عُدنا في الحقيقة الى الخانة الاولى. إلى الأيام التي قعد فيها اوباما في كرسي الرئيس وعيّن – من الغد – ميتشيل. ومع ذلك ثمة فرق: عُدنا الى تلك الخانة نفسها من دون الأمل الذي كان موجودا آنذاك. فقد أحرقنا اثنين آخرين. وعاد الشرق الاوسط يلعب مع نفسه.

لماذا يتعاونون؟

أُعدّت في الجيش الإسرائيلي قبل شهور طويلة خطط لمواجهة ثلاثة سيناريوهات ممكنة لتطور التفاوض مع الفلسطينيين. يتناول أحدها النجاح وشق طريق. والثاني فشل المحادثات. والثالث وضعا فيه ارتفاعات وازمات لكن مع وجود المسيرة.

نظروا الى السيناريو الثالث بأنه أكثر معقولية. وسيناريو الفشل هو الأخطر. يُقدرون في الجيش أن هذا السيناريو الذي يشتمل على تدهور في الميدان، لن يحدث فورا كما حدث في أيلول 2000. قد تقع مظاهرات لكن التدهور نحو مواجهة عسكرية سيتم كما يُقدر الجيش بالتدريج.

يستطيع "الشباك" من جهته أن يُسمع صافرة تسكين بالنسبة للقسم اليهودي. فوقف التجميد يضائل التوتر جدا. في مقابلة ذلك، لا شك في أن التعاون بين إسرائيل والسلطة في مجال إحباط العمليات سيتضرر. فوجئت جهات أمنية بنجوع عملية أذرع الأمن الفلسطينية وحِرفية قوات الشرطة التي انشأها الجنرال دايتون.

لكن نجاحهم في التثبيط نبع من سببين: الاول، الذاكرة المُرة عن الانقلاب في القطاع الذي أفضى الى ابعاد فتح، واغتيالات واعتقالات جماعية لرجالها. والثاني، شعور الشرعية عند أناس السلطة لاحباط عمليات ضد إسرائيل على خلفية التقدم في المسيرة السياسية. سيختفي هذان العنصران اللذان أحدثا في الضفة وضع عدم وجود مطلوبين. أصبحت المخاوف من حماس ذاكرة بعيدة وستتلاشى الشرعية.

لن يحدث هذا في يوم واحد، لكنه سيأتي عندما يتبين للشارع الفلسطيني ان المسيرة السياسية لم تعد موجودة. وهكذا بعد أن تعودنا الهدوء في السنين الأخيرة، يجب أن نستعد لوضع عمليات. وفي هذا الوضع لن يُمكّن المستوى الأمني المستوى السياسي من مرونة التخلي عن أملاك من المناطق.

بقي أبو مازن في عمله لانه لا يوجد من يحل محله. ما بقي في الميدان سيبقى غراء يمسك القيادة الفلسطينية الحالية، المريحة جدا لإسرائيل وللأميركيين. عزز الوضع الاقتصادي والمسيرة السياسية سلطان السلطة في الضفة لكن عند أبو مازن وعند سلام فياض معارضة ايضا. فهما يتابعان بقلق محمد دحلان وتوفيق الطيراوي اللذين يبنيان لانفسهما مراكز قوة في السامرة، ويحاولان تسليح خلايا يستعملانها عصابات خاصة.

وأبو العلاء هو مركز معارضة آخر. قام أبو مازن مؤخرا بإجراء تنظيمي كان يرمي الى الالتفاف على معارضيه، وأنشأ اجهزة بديلة. ستحل جهة تُسمى "مجلسا عاما" مثلا محل "المجلس الموسع" لفتح الذي يصعب عليه فيه إجازة القرارات. وهو يخطط لان يشغل هذه الجهة الجديدة بمؤيديه وأن يتغلب بذلك على الفوران في فتح الذي سيزداد فقط مع وقف المسيرة السياسية.

قذيفة ضالة أم صاروخ ضائع؟

امتنعت حماس زمنا طويلا عن إطلاق نار مباشر على إسرائيل. وإلى المدة الأخيرة ايضا انخفض كثيرا إيقاع تهريب الوسائل القتالية إلى القطاع (وإن يكن قد عاد في الشهر الأخير الى الإيقاع المعتاد).

وهذه هي المفارقة: فكلما ابتعدت حماس عن النشاط المضاد لإسرائيل، زادت قدرتها على الحكم في غزة. يتبين أن الهدوء ذو جدوى. هذا الأسبوع فقط فتحت إسرائيل الأبواب للتصدير من القطاع. وهذا الإجراء النابع من الهدوء يعزز سلطان حماس.

غير أن إسماعيل هنية ورجاله يصعب عليهم أن يُعايشوا هذه المفارقة زمنا طويلا، ولن يُجهدوا أنفسهم زمنا طويلا وبكامل القوة لصد إطلاق النار على إسرائيل الذي تنفذه منظمات متطرفة كالجلجلات (ممن تركوا حماس)، والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة.

وفي المدة الأخيرة نجمت منظمة متطرفة أخرى هي توحيد الجهاد، المؤلفة من رجال جهاد عالمي أشد تطرفا من الجهاد الإسلامي وقد أصبحوا هم أيضا يشاركون في إطلاق القذائف الصاروخية. تختار حماس كي تُظهر مع ذلك مقاومة عسكرية ما إن تعمل من خارج القطاع. في سيناء مثلا على مُستجمين إسرائيليين وبإطلاق نار على إيلات. في مقابلة ذلك تُجهد نفسها في إشعال الضفة لكن بلا نجاح حتى الآن.

لاحظوا عندنا في الأسابيع الأخيرة أن حماس أضعفت الضغط على منظمات الإرهاب. في يوم الأربعاء جُرح مُركز الأمن في إحدى البلدات في إقليم أشكول بقنبلة راجمة، وتضرر بيت في أحد كيبوتسات شاعر هنيغيف. رد الجيش الإسرائيلي فورا وبقوة كي يُذكر حماس بأنها قد تدفع ثمنا باهظا اذا أفلتت الزمام، وليُبين ماذا قد يحدث عندما يلعبون بالنار.

ليس للطرفين إذن مصلحة في إشعال الجبهة، لكن قذيفة ضالة أو صاروخا ضائعا قد يُغيران كل شيء.