توجيه الأطفال عبر متاهة التقنية

فريق حوار الشرق الأوسط

يتأمل فريق حوار الشرق الأوسط أطفال اليوم "المتعلقين بالتقنية". هل نساعدهم أم نؤذيهم بالتقنية؟
مما لا شك فيه أن تربية الأطفال ليست بالمهمة اليسيرة! حيث يواجه الكثير من الآباء اليوم متطلبات الحياة العصرية الحافلة، وكذلك الحاجة إلى تغذية عقول أطفالهم النشطة والمتطلبة، فيتحوّلون إلى التقنية باعتبارها خياراً سهلاً لتحقيق هذه الغاية. ونتيجة لذلك، أصبح أطفال اليوم "متعلقين بالتقنية" واعتادوا على استخدام التطبيقات المتطورة بدرجة من البراعة والتركيز بحيث أصبحوا بوتيرة متزايدة غير قادرين على الانسجام مع العالم الحقيقي. فنحن نرى اليوم أطفالًا يمكنهم استخدام جهاز الآيباد بسلاسة - لكن لا يستطيعون ربط شريط الحذاء.اضافة اعلان
علّق أحد معلمي الصفوف الأولية في الإمارات على هذا الموضوع قائلًا: "هناك أطفال في صفي هذه الأيام لا يمكنهم أن يستوعبوا كيفية اللعب بأحجية الصور المقطعة. فهم يلتقطون القطعة الصحيحة المناسبة للفراغ في الأحجية لكنهم يظلون ممسكين بها في انتظار أن تنزلق من بين أصابعهم إلى مكانها المناسب! كما يحدث في التطبيقات على الأجهزة الذكية. إن غياب اللعب في المساحات المفتوحة أو اللعب الذي يثري الإبداع يتسبب في ضعف ملحوظ في القوة البدنية والتوافق الحركي لدى هؤلاء الأطفال".
إن القلق الذي أعرب عنه التربويون في تزايد؛ فالأطفال على اتصال دائم بالإنترنت، ويتلقون مكافآت كبيرة في مقابل مستويات متدنية من النشاط، واعتادوا قضاء فترات مطوّلة أمام شاشات الأجهزة - يتفق الخبراء الآن على أن هذا الوضع تجاوز المستويات المقبولة بل وحتى الآمنة. وقد نشرت الدورية الطبية "بريتيش ميديكال جورنال British Medical journal" بحثًا يربط بين بقاء الأطفال أمام الشاشات لوقت طويل وبين مخاطر إصابتهم بداء السكري.
يُصنَّف العديد من تطبيقات السنوات المبكرة على أنها تطبيقات "تعليمية ترفيهية" - فلا بد إذن وأنها مفيدة للأطفال لأنها تعزز التعلم من خلال اللعب! أليس كذلك؟ لكن هذا ليس رأي الخبراء فيها. فكما يرى عالم النفس أليك سيغمان: "يعاني الأطفال الآن من قلة التفاعل الاجتماعي، وليس لديهم سوى اتصالات اجتماعية محدودة خلال المراحل الأساسية من نموهم الفيزيولوجي والعاطفي والاجتماعي".
إن المكافآت الكبيرة التي يتلقاها الأطفال مقابل مستوى منخفض نسبيًا من الإسهام أو النشاط تجعل التطبيقات أكثر إثارة للاهتمام من "العالم الواقعي" الممل - ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل سلوكية عندما يتكيف الأطفال ويستجيبوا إلى عالم يتشتت فيه انتباههم بدرجة شديدة. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة، حيث إن هذه العادات السلوكية تودي بالآباء المشتتين إلى التخلي عن أطفالهم والسماح لهم بمواصلة التعلق بالتقنية بحثًا عن الارتياح.
اكتشفت دراسة استقصائية أجراها موقع "Netmums.com" للأمومة على شبكة الإنترنت أن الأطفال يستخدمون الإنترنت بدءًا من عمر ثلاث سنوات ويقضون ما يصل إلى ساعتين يوميًا في التصفح، أي ضعف الوقت الذي يعتقد معظم الآباء والأمهات أنهم يقضونه. وعندما نضيف وقت استخدامهم للتطبيقات، مثل الألعاب، يزداد الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات كل يوم زيادة ضخمة.
قررت إحدى المدارس في لندن الاستجابة لمسألة الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات من خلال فرض حظر شامل على التقنية! تشترط قواعد مدرسة "أكورن سكول" عدم السماح للأطفال دون سن 12 عامًا بمشاهدة التلفزيون ولا يُمكنهم تصفح الإنترنت حتى يبلغوا 16 عامًا. ربما يبدو هذا الإجراء مبالغًا به، إلا أنه جاء استجابةً لتحدي يجده العديد من المتخصصين مُقلقًا ويتطلب الاستجابة له.
وفي هذا الشأن أيضاً، نشرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال توصية رسمية تُفيد بضرورة عدم تعرض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات لأي شكل من أشكال الوسائط الرقمية (الوقت الممضي أمام الشاشات) لأكثر من ساعة في اليوم. وتوصي الأكاديمية بعدم تعرض الأطفال للشاشات على الإطلاق قبل بلوغهم سنة ونصفا، أي عندما يكونون "أكثر ضعفًا وعرضةً للخطر". وتشمل توصيات الأكاديمية تخصيص مناطق "خالية من الوسائط" على مدار اليوم، والحفاظ على الأوقات العائلية من دون أي أجهزة، ومشاركة الوالدين في خيارات المحتوى ومشاهدته.
وقالت الدكتورة يولاندا تشاسياكوس المؤلفة الرئيسية لتقرير الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال: "يؤدي الآباء دورًا مهمًا في مساعدة الأطفال والمراهقين في التعامل مع بيئة الوسائط كما يساعدونهم في تعلم كيفية التصرف في العالم الواقعي. وتهدف الأكاديمية إلى تزويد الآباء بالأدوات والتوصيات القائمة على الأدلة لمساعدتهم في جعل تجربة أطفالهم مع الوسائط إيجابية".
من المؤكد أنه كلما كبر الأطفال، فإن انسجامهم مع التقنية والشاشات واسعة الانتشار كوسيلة سهلة لتلقي المكافآت يمكن أن يتطور إلى إيجاد منافذ أكثر إثارة. كما أنهم نظريًا يجدون الاستمرار في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أسهل بسبب تعودهم على التفاعل عبر الشاشات. وتُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي - من تويتر وفيسبوك إلى يك ياك وتيندر - منصاتٍ للتواصل الدائم مجهول الهوية باستخدام الفيديو. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى كارثة خصوصاً مع العقول الشابة الباحثة عن المزيد، لذا يوصي المختصون الآن بمبادئ توجيهية للآباء والأمهات لمساعدتهم في الحد من ومراقبة الوصول إلى التطبيقات التي قد ثبت في بعض الحالات أنها شديدة الخطورة. فالخطر لا يتمثل وحسب في شبح التطرف الذي يواجه الآباء والأمهات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم، بل يمتد إلى التنمر والسلوكيات الضارة التي تجد فريستها بسهولة بين الشباب الذين يستكشفون العالم لأول مرة، دون أن يخوضوا تجربة حقيقية للتفاعل مع العالم الواقعي.