توقُّعات لبناء الموازنة

د. خالد واصف الوزني
د. خالد واصف الوزني

الدكتور خالد واصف الوزني

بالرغم من الصورة غير المستقرة نسبيا حول الوضع الاقتصادي على مستوى المنطقة العربية بشكل عام، والمنطقة المجاورة للأردن بشكل خاص، إلا أن التوقعات الكلية لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في شهر تموز (يوليو) الحالي تشير إلى أنَّ المنطقة تتجه إلى استمرار حالة التعافي التي تشهدها منذ نهاية العام الماضي.

اضافة اعلان

ويرى الصندوق أنَّ النمو المتوقع قد يلامس نسبة 4 % في العام المقبل، خاصة ما يتعلق بالدول المُصدِّرة للنفط. وقد جاءت أفضل التوقعات في صالح دولة الإمارات العربية المتحدة. 

الشاهد أنَّ التوقُّعات الآنية والمستقبلية للعامين المقبلين تشير إلى تطورات إيجابية في النمو الكلي للمنطقة، وخاصة الدول الداعمة تاريخيا للاقتصاد الوطني الأردني مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وهذا يقود إلى القول بضرورة أن تتوجَّه الحكومة نحو وضع موازنة عامة للعام 2019 متفائلة نسبيا، مع عدم الركون إلى معدلات نمو تقل عن 3.5 %، بل والعمل على جعل ذلك ضمن مؤشرات نجاح الحكومة في تحقيق أهدافها الاقتصادية للعام المقبل. ومن هنا، فإنَّ أهم فرضيات بناء موازنة العام 2019 يجب أن تقوم على ثلاثة معطيات. الأول، كما سبق ذكره، نمو اقتصادي حقيقي لا يقل عن 3.5 %، والثاني، توقعات بألا يتحرك معدل التضخم بأكثر من نقطة أو نقطتين مئويتين عن الوضع القائم، والثالث، استقرار أسعار النفط حول معدل بين 75-80 دولارا. 

المعطيات السابقة تحتِّم على الحكومة أولا أن تركِّز على زيادة الإنفاق الرأسمالي العام عبر توقُّع تحسُّن الأوضاع في المنطقة، وبالتالي توقُّع الحصول على مساعدات استثمارية رأسمالية، وليس جارية، وهنا قد يكون أهم ما يجب عمله بهذه المبالغ هو توجيهها نحو مشاريع استثمارية رأسمالية في المحافظات خارج العاصمة، وخاصة تلك التي تشكو من نسب بطالة عالية. ومن ناحية ثانية، لا بد من النزوع إلى تشجيع الاستثمار واعتماد الحكومة على سياسات تساعد على جذب استثمارات وتوسُّع الاستثمارات الحاليَّة عبر سياسات بعيدة عن الضرائب الزائدة، سواء على المواطن أو المستثمر.

إنَّ ذلك يعني زيادة الإيرادات الحكومية من خلال نمو النشاط الاقتصادي، وهو نموٌّ يحقِّق إيرادات ضريبية مستدامة، على عكس سياسات زيادة الرسوم والضرائب، والتي تُكمش مستوى الطلب، وتقلل القدرة الشرائية، وتؤدي حتما إلى انخفاض إيرادات الحكومة من الضرائب. 

وأخيرا، وليس آخرا، قد يكون من المناسب أن تلجأ الحكومة إلى الدول الشقيقة المصدرة للنفط، وتعقد معها صفقة شراء احتياجات المملكة من النفط للعام 2019 بسعر تأشيري ثابت على مدار العام، وبحيث لا يزيد على 65 دولاراً، وأن يتم التعهد بتسديد الصفقة في بداية العام عبر سندات خزينة وطنية محلية، يمكن تمويلها من فوائض البنوك ومن الاكتتاب الخارجي للمغتربين ولغيرهم من المهتمين وبسعر فائدة لا يتجاوز 4 %. 

وهي سياسة ستساعد على ضبط العجز المتأتي من تقلب أسعار النفط، كما أنها ستُخفِّف أثر فروقات الأسعار على استهلاك المواطن من المشتقات النفطية، وعلى فواتير الكهرباء وعلى مستوى التضخُّم في البلاد. 

وختاما، فلعل الحكومة، وضمن سياسات إعداد الموازنة في كل عام، تقوم بعقد جلسة عصف ذهني خاصة ببناء سيناريوهات وفرضيات إعداد موازنة العام المقبل في ظل الطروحات السابقة وغيرها من المعطيات، وتدعو لذلك الخبراء المختصين في مجال النفط والاقتصاد والسياسة والاجتماع من داخل الدولة وخارجها ومن المؤسَّسات الدولية، وخاصة البنك والصندوق الدوليين، ومؤسسات المجتمع المدني بهدف الوصول إلى فرضيات علمية منطقية تسهم في إخراج موازنة واقعية للعام ، 2019، وفي كل عام بعد ذلك.