تولتاريا صامتة

معاذ دهيسات

كان من الصعب إقناع المواطنين بخدعة الاقتران الأسي الذي يسلكه الفيروس الصيني والذي يشبه حكاية صانع الشطرنج حيث تروي الأسطورة أن (صصه بن داهر الهندي) طلب من الملك (ملهيت) لمكافأته على اختراعه للشطرنج بأن يضع له حبة قمح في المربع الأول من الرقعة وتضاعف إلى حبتين في المربع الثاني وتضاعف إلى أربعة في المربع الثالث، وهكذا حتى المربع الرابع والستين والأخير، فتم الاستهتار بطلبه لسهولة تلبيته وعندما جاء ليدفع للرجل القمح المطلوب وجد أن الرقم يساوي محصول الكرة الأرضية من القمح إذا زرعت كل الأراضي اليابسة والأنهار لمدة 6000 سنة.

اضافة اعلان

وفي سياق آخر تتحدث رواية جورج أورويل: (1984) عن الشمولية حيث تسيطر السلطة على جميع تفاصيل حياة الأفراد. بما فيها طريقة تفكير الناس وإيمانهم.

كتبت الرواية في الأربعينيات من القرن الماضي باعتبارها شاهد قبر للنازية وقراءة لمستقبل السوفييت، ونجحت الرواية برؤيتها ولكن لم يكن ما يطرحه اورويل عن الهيمنة بجديد. فالسيطرة على الأفراد والهيمنة على إيمانهم وطرق تفكيرهم عمل منظم لم يتوقف منذ ظهرت شهوة السلطة وأدواتها.

تنجذب الجماهير إلى الحركة الاستبدادية ومن الملاحظ أن الجمهور يتعاطف مع الحركة الشمولية بوحشيتها وعنفها ضد أعدائها ومع الوقت يمتد هذا الولع بالخضوع من قبل الجماهير ليحكم مساحات أسع بحيث لا يتوقف ميل القطيع نحو الاستبداد حتى لو كانت الحركة المسيطرة عليهم توجه وحشيتها نحوهم.

نجحت الصين بمواجهة الفيروس الذي ولد في رحم أسواقها ليس بسبب التطور كما تدعي وإن كان هذا أحد الأسباب، وإنما بسبب هيمنتها على مواطنيها نتيجة النظام الشمولي وفرضها لإيقاع الدولة بالقوة وليست فضيحة الطبيب الذي كشف المرض وتوفي أو المستشفى الذي يحوي مئات الحالات من مرضى كوفيد – 19 والذي احترق وهدم على رأس المرضى إلا قضايا غامضة في ملف القضية الحقيقية.

إن أهم ما واجه الدول الغربية هو نزع الحريات من مواطنيها وفرض قوانين الحظر وإلزام المواطنين على تطبيقها في مجتمعات تم تنشئتها على مفهوم قدسية الحرية. ونظراً لصعوبة شرح مفهوم الخطر المركب ضمن سياق جائحة تسلك خدعة الاقتران، يصبح خيار الوعي والاقناع مثار سخرية وهو ما يوضح كارثة إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.

كل هذه الملفات هي إرهاصات تؤسس لصانع القرار في الدول المتقدمة للانغلاق مستقبلاً على كثير من الملفات والتي تبدأ بالهجرة ولا تنتهي بوقف الدعم الخارجي وتوجيهه للداخل انها حالة من تبدل الأولويات ستدفع ثمنها الدول النامية. نحن نتجه بتسارع الى الدول القومية بعد أن باتت الحريات هي نقطة الضعف بحسب أهم الموجات الأخيرة بدءا من قضية استغلال الروس للحريات والتدخل للتلاعب بالرأي العام في أميركا وأوروبا أو كون الحريات عائقا في مواجهة جائحة الفيروس الصيني.

قبل مائة عام وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وخلفت كتلا من التضخم وسلاسل من البطالة ومجتمعات منهكة وممزقة، ملايين القتلى والمشردين وعالم بائس لم يستوف استحقاق الحرب وإنما فائض كراهية جنح لقيلولة سيتبعها صعود ما وصفه فيلسوف الفاشية الإيطالي في حينها جيوفاني جنتيلي بالمجتمع الذي تؤثر فيه أيديولوجية الدولة والسلطة على معظم المواطنين.

اليوم وبعد مرور قرن على الحرب التي ولدت بعدها الأنظمة الشمولية وعلى قلب ذات التاريخ نجد أنفسنا أمام شمولية إجبارية صامتة تتسرب لمفاصل حياتنا بهدوء ضمن اجراءات استثنائية يفرضها الحدث اليوم ولكنها هيمنة لن تتراجع عنها الدول حتى بعد انتهاء الجائحة.