تونس: تحديات أمنية واقتصادية وسياسية في انتظار الشاهد

ونس – بدأ رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أمل ان تقود هذه الحكومة التي يفترض أن تشمل في تركيبتها معظم الطيف السياسي في تونس، إلا أن التركة الثقيلة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا التي ورثها الشاهد تبدو واحدة من أكبر المعضلات التي سيواجهها.اضافة اعلان
لكن يبقى السؤال المطروح بالحاح والشاهد يتحرك يمينا ويسارا في مشاوراته لتشكيل حكومة الوحدة، هل ينجح في ما فشل فيه سلفه الحبيب الصيد الذي اتهم بضعف الأداء وبالفشل في الخروج بتونس من أزماتها؟.
ومنذ ثورة 14 كانون الثاني( يناير) 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تعاقبت على تونس 7 حكومات كان أمامها مطالب ملحة هي تحقيق أهداف تلك الثورة المطالب التي ثار من أجلها شعب يتوق للقضاء للعدالة الاجتماعية والتشغيل والتنمية.
ولكن على مدار 5 سنوات أعقبت الثورة ظلت معظم المطالب معلقة ولم تشهد تقدما ملموسا، بل إن عددا من المراقبين ذهبوا إلى أن بعض الأوضاع زادت تأزما وبات إيجاد الحلول أكثر صعوبة أمام كل حكومة تعقب الأخرى لاسيما مع تنامي ظاهرة الإرهاب أواخر 2011، وازدياد وتيرتها مع ما عرفته تونس في العام 2015 من أحداث إرهابية اُعتبرت "الأكثر دموية وعنفا" في تاريخ البلاد.
ومع تكليف وزير الشؤون المحلية بحكومة تصريف الأعمال والقيادي بحركة نداء تونس يوسف الشاهد (41 عاما) بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية قبل اقل من أسبوع، فإن هذه الحكومة ستجد نفسها أمام ملفات شائكة في مقدمتها الوضع الأمني والأزمة الاقتصادية وتحقيق التوازن الاجتماعي.
وفي هذا السياق رأى المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي أنه "يجب أن تكون العلاقة بين الأحزاب والحكومة واضحة وتتم مراجعتها من خلال خلق نوع من المسافة بين الطرفين".
وأضاف ان المطلوب من الأحزاب أن تدعم الحكومة وتحسن اختيار الأشخاص الذين سيمثلونها داخلها وتعطي فرصة لرئيس الحكومة الجديد حتى يكون له حد أدنى من الصلاحيات للقيام بمهامه وبرامجه بدلا من أن تربكه.
وأكد الجورشي على "ضرورة استمرار وزير الداخلية الهادي مجدوب في منصبه، لأن تغييره قد يؤثر سلبا على الأداء العام للوزارة في ظل الظروف الأمنية التي تعيشها تونس".
ولفت إلى أن وزارة الداخلية "مطالبة بالمواجهة والعمل في يقظة مستمرة وضرورية خاصة مع إمكانية حدوث ردود فعل قوية من قبل الجماعات الإرهابيّة قد تربك الرأي العام وتخلق أزمة ثقة من جديد في المسؤولين".
وأشار الجورشي الى أن الحكومة الجديدة مطالبة "بوضع سياسات واضحة وجدية وألا تكتفي كسابقاتها بمجرد الشعارات والخطابات والوعود، بل يجب أن يشعر المواطن بأنها أمور فعليّة وتطبق على أرض الواقع".
من جهته رأى المحلل السياسي التونسي الجمعي القاسمي أن "نجاح مهمة الشاهد تبقى رهينة بمدى تضافر جهود مختلف الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية وخاصة أرباب العمل (اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) والاتحاد التونسي للشغل (النقابة العمالية الأبرز في البلاد) بالتوصل إلى ما يشبه الهدنة الاجتماعية التي ستمكن الشاهد من هامش وقت يستطيع من خلاله التقدم في معالجة بعض الملفات".
وأشار الى أن الملفات المطروحة خاصة الأولويات التي تعهد بمعالجتها رئيس الحكومة "ترتقي لمستوى التحديات الجسيمة التي يصعب عليه أو على غيره إيجاد حلول لها بالنظر إلى المناخ السياسي الراهن وحالة الاحتقان الاجتماعي والانكماش الاقتصادي المخيف والتهديدات الإرهابية الماثلة التي تحول دون إعادة نسق الاستثمار الخارجي إلى مستواه الطبيعي أو مساعدة القطاع السياحي في إعادة نشاطه المعهود".
ورجّح أنه "سيكون من الصعب الحديث عن النجاح في معالجة تلك التحديات باستثناء الملف الأمني بالنظر إلى النجاحات المحدودة التي سُجلت في عهد الصيد والتي يمكن البناء عليها، وبالتالي فإن من شروط النجاح التواصل والاستمرارية في البرامج، لكن تبقى ليوسف الشاهد وحزبه قراءة أخرى من خلالها سيختار وزراءه".
واعتبر القاسمي أن "خطر التهديد الإرهابي مازال قائمًا ارتباطا بالوضع الإقليمي خاصة على مستوى الجارة ليبيا وعلى الحدود الغربية مع الجزائر في ظل وضع دولي يتسم بالضبابية: فأوروبا تعاني بدورها العديد من المشاكل وبالتالي سيكون من الصعب الاعتماد عليها في هذه الفترة".
وشدّد المحلل السياسي التونسي على ضرورة تغيير برامج التنمية وتحقيق الأمن والاستقرار القادر على تحريك القطاعات الأخرى كالفوسفات والطاقة وصولا إلى تنشيط وتفعيل قطاع السياحة حتى تعود عجلة النمو إلى طريقها السليم.
وكان رئيس الوزراء المكلف قد قال في أول كلمة له بعد اختياره لتشكيل حكومة الوحدة "اليوم ننطلق في مرحلة جديدة تتطلب منا جميعا تضحيات ومجهودات استثنائية وتتطلب جرأة وشجاعة وحلولا خارجة عن الأُطر العادية.
وأكد أن "الحكومة ستصارح الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع الاقتصادية"، مبينا أن أولوياتها ستركز على "كسب المعركة مع الإرهاب وإعلان الحرب على الفساد والفاسدين والرفع في نسق النمو لخلق الشغل (إيجاد فرص عمل) والتحكم في التوازنات المالية والنظافة والبيئة".
وتراجع الاقتصاد التونسي خلال السنوات الأخيرة حيث لم تتجاوز نسبة النمو 1 بالمائة خلال الربع الأول من 2016، فيما توقع البنك المركزي التونسي قبل أيام أن تبلغ نسبة النمو في 1.3 بالمائة مقارنة مع نمو فعلي نسبته 0.8 في 2015.
كما تراجعت قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار وارتفعت معدلات البطالة التي بلغت في الربع الأول من 2016 نحو 15.4 بالمئة.
وتواجه تونس وضعا اقتصاديا صعبا دفع الحكومات المتعاقبة الى الاقتراض الخارجي لتغطية النفقات الحكومية، فيما كان يفترض أن تخصص معظم تلك القروض لمشاريع التنمية.
وليس واضحا ما اذا كانت حكومة الوحدة المنتظرة والتي لم تتضح بعد معالم تركيبتها، قادرة بالفعل على الخروج من هذه المآزق خاصة منها المأزق الاقتصادي. - ( وكالات)