ثقافة مكافحة الفساد

 

خلال الاسابيع الاخيرة ظهرت اكثر من قضية تحمل شبهة فساد، اما من خلال قرار حكومي اعطى وصفا اوليا لما جرى بأنه مخالف للقانون، مثل حادثة العقبة وعطاء مكتب رئيس المفوضية، وأخرى عبر الادعاء العام لهيئة مكافحة الفساد الذي يحقق في قضايا تخص جامعة البلقاء التطبيقية.

اضافة اعلان

وبعد كل قضية كانت تخرج ردود افعال وتفسيرات وحتى آراء تشكك في نوايا فتح الملفات. وبسرعة تحولت هذه القضايا الى ملفات سياسية وأخذت بعض المواقف منها حالة الخندقة، بما فيها انعكاس حالة التجاذب السياسي بين بعض مراكز القوى والمواقع. وخرجت بعض التفسيرات التي تفسر فتح الملفات على انها استهداف لجماعة فلان او علان، والاسوأ ان البعض تبنى تفسيرات اقليمية، ورأى ان الامر مرتبط بجغرافية الاشخاص وأصولهم، وربما كان هذا التفسير امتدادا لحالة التجاذب السياسي، التي ذهب البعض لتفسيرها تفسيرات سياسية اقليمية، وانها صراع لا يختلف عن حكاية التشجيع الكروي في مسابقات اتحاد الكرة.

وفي ذات التعامل دخل مجلس النواب في حالة الاستقطاب والتفسيرات المختلفة، وحتى اللجنة التي شكلها المكتب الدائم فقد تحولت الى قضية خلافية ومصدر اتهام لمن شكلها بأنه انتقائي وأنه اغمض عيونه عن ملفات اخرى لا تقل عن ملف العقبة. وأفسد النواب بهذا الاختلاف فكرة اللجنة التي ظهرت وكأنها اداة سياسية غير موضوعية، وليست جزءا من دور مجلس النواب في مكافحة الفساد. ولم تخل المواقف من التأثر بحالة الاستقطاب السياسي لأنه حتى جزء من السادة النواب يمارس الاصطفاف بين خنادق تنازع النفوذ.

محصلة كل ما مضى كان اضعافا للقضايا المفتوحة. وبدلا من ان تكون ملفات يجب متابعتها تحولت الى حكايات وقصص للمجالس ودفاعا عن الاشخاص المتهمين ووصف لنزاهتم وتشكيك بدوافع من فتحوا الملفات.

قد يكون جزء من تفسير الحالة السابقة اننا، مجتمعا ودولة، لم نعتد بعد على مكافحة جادة للفساد. ولا نصدق ان الحكومات وهيئات الرقابة والمكافحة يمكن ان تفتح ملفات جادة او تكون ملفات لأشخاص مهمين وأصحاب مواقع. ما نقوله لا يعني حكما على الملفات المفتوحة وإدانة لأشخاصها، فهذا دور الجهات القضائية التي نحترم قراراتها. لكننا نتحدث عن قناعات المجتمع وثقافته بما في ذلك النخب، لهذا يكون التفسير السياسي السلبي والإيجابي حاضرا، لأن الثقة بالتفسير القانوني أي توجه الدولة لتطبيق القانون على الجميع ليست كبيرة، نتيجة التجارب والحكايات، بل ان مجلس النواب كجهة رقابية هامة لم يحتل مكانة في وجدان الناس بأنه يمارس حالة مقاومة للفساد.

 

ما يحتاجه المجتمع ان تتجذر الممارسات الحكومية في محاسبة الفساد، وان يكون الجميع سواسية اي العدالة في الحساب. ونحتاج ايضا الى ان نستسلم جميعا للمسار القانوني وان نقبل حكمه، اي لا يصفق له من يريد ويشكك في النوايا من ليس لهم مصلحة في فتح اي ملف. فالقضاء هو الجهة التي يجب ان نثق بها ونعطي لمسارها القانوني حقه الكامل.

هذا يعني ايضا الا يتم الاعلان عن اي ملف فيه شبهة فساد الا اذا توفرت الادلة التي يستحق معها المتهم ان يحال الى القضاء بمراحله. ونحتاج ايضا الى مسارات متكاملة من الحكومات. فقضية العقبة مثلا اتخذت الحكومة فيها قرارا بوقف احالة العطاء على مكتب زوجة المسؤول، لكن الامر توقف الى هنا، فهل هذا يعني ان المسؤول لم يخالف القانون ام ان اندفاع الحكومة الاولي كان سياسيا وانه طلب منها بعد ذلك التوقف؟! وهنا نحن لا نثبت او ننفي وجود فساد، لكن المواطن الذي سمع بقرار وقف احالة العطاء لم يسمع شيئا آخر سوى تصريحات رئيس سلطة العقبة بأنه بريء وقرأنا خبر ذهابه الى هيئة مكافحة الفساد متطوعا لاثبات براءته وهذا حقه في الدفاع عن نفسه.

نحتاج الى مسار منتظم حتى نمتلك كمجتمع ونخب ثقافة مكافحة الفساد وترك الامور لمساره القانوني. وهذا يتطلب من الحكومات والهيئات الرقابية ان تقنع المواطن ان الجدية والارادة دائمة.

[email protected]