ثلاث ملاحظات سريعة على الحرب

مع دخول الحرب الإسرائيلية الشرسة على لبنان أسبوعها الرابع، هناك الكثير من الأسئلة حول مجريات الحرب التي من الجدير التوقف عندها منذ الآن، ونعالج هنا ثلاثة منها، الأولى: هل هذه حرب تهدد الكيان الإسرائيلي؟، والثانية: ما هو مدى تأثير زخم المقاومة على الشارع الإسرائيلي؟ والثالثة: التأثيرات السلبية للتقارير المبالغ بها.

اضافة اعلان

أولا- هل هذه حرب تهدد الكيان الإسرائيلي؟ من يعيش الأجواء الإسرائيلية من داخلها يتأكد أن في إسرائيل حاليا غرفتي عمليات، تعملان بشكل مواز ومتقاطع، الأولى غرفة عمليات الحرب على لبنان، والثانية غرفة الحرب على الرأي العام المحلي والعالمي، ولكنها تعمل بشكل خاص لإدارة الحرب النفسية على الجمهور الإسرائيلي ذاته.

إن مهمة الغرفة الثانية كانت منذ اللحظة الأولى تجنيد الشارع الإسرائيلي بقوة إلى جانب الحرب، ومنعه من تذكر كوابيس حرب لبنان السابقة، التي اندلعت في العام 1982، ولهذا اختارت إسرائيل تأجيج مشاعر الخوف في الشارع الإسرائيلي، وايهامه بأن هذه حرب"دفاع عن البيت"، لأن "الكيان مهدد، وكل شيء أصبح مشروعا" و"من أجل الحفاظ على الكيان"، ومن جهة أخرى فقد عبأت الجمهور الإسرائيلي بتقارير "انتصارات" وهمية نأتي عليها لاحقا.

ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل حقا هذه حرب تهدد الكيان الإسرائيلي؟ إن من يتابع مجريات الحرب، وموازين القوى، دون انتقاص من حجم المقاومة اللبنانية الباسلة، فإنه على يقين بأن هذه الحرب لن تنتهي بزوال إسرائيل. وإسرائيل نفسها تعرف ذلك، ولكنها معنية ببث هذه الأوهام، بهدف ترهيب الشارع الإسرائيلي نفسه، وإرغامه على تأييد الحرب، ومن جهة أخرى فإنها تبحث عن استعطاف الرأي العام العالمي، الذي صدّق الحكاية في بدايتها وتبرر أمامه كل جرائمها، ولكن المشاهد المفزعة القادمة من لبنان، أثبتت زيف الدعاية الإسرائيلية، ولهذا فإن إسرائيل نفسها باتت تشعر بتراجع تأييد الرأي العام العالمي لها في هذه الحرب الإرهابية. ولكن للأسف مرّة أخرى فإن هناك"متطوعا" دائما لدعم المزاعم الإسرائيلية، الرئيس الإيراني احمدي نجاد، الذي تتلقف إسرائيل خطاباته الملتهبة وتسوقها بنفسها إلى العالم، في محاولة بائسة لتدعيم دعايتها.

يخطئ من يعتقد أن لا حاجة للرأي العام العالمي، ومجريات هذه الحرب المتسارعة تؤكد ذلك، فعند اندلاع الحرب بقرار إسرائيلي، كان الوضع الدولي غير ذلك الذي عرفناه قبل ثلاثة أسابيع، ولكن تطور الحرب والجرائم التي ترتكبها إسرائيل يوميا، حركت عدة شعوب أوروبية، لتضغط على حكامها وتغير توجهاتهم تجاه إسرائيل، التي باتت تشعر أنها تواجه ضغوطا، لولا الدعم الأميركي الأعمى، الذي يواصل صد الجهود الدولية.

ثانيا- تأثير زخم المقاومة اللبنانية: كما قلنا سابقا، إسرائيل تعمل جاهدة على مدار الساعة لإقناع الجمهور بأنها منتصرة، وترفع من معنوياته، ولهذا كنا نرى "ماكنة" الكتاب "صناع الرأي" في إسرائيل ينشرون مقالات بكثافة تدعو الجيش الإسرائيلي إلى توجيه ضربات أقوى، "إلى مسح حزب الله عن الوجود"، إلى "تنظيف الجنوب اللبناني من القرى المؤيدة لحزب الله"، وغيرها من تلك الدعوات.

إلا أنه في الأيام الأخيرة تلاشى تقريبا هذا النوع من المقالات، بعد أن استوعب أصحابها "الورطة"، كذلك لم تصدر أية صحيفة إسرائيلية في الأيام الأخيرة، إلا وتحمل السؤال: "حسنا وماذا عن استمرار إطلاق قذائف الكاتيوشا؟"، وهو السؤال نفسه الذي يتكرر على مدار الساعة في كافة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ومواقع الانترنت.

فالجمهور الإسرائيلي سمع من حكام إسرائيل بداية عن"تدمير 50% من شبكة إطلاق قذائف الكاتيوشا لدى حزب الله"، وفي اليومين الأخيرين تطوع أحد المراسلين العسكريين ليخفض النسبة إلى 25%، وحتى أن المؤتمر الصحافي الذي يعقده الجيش مساء كل يوم، يعرض على شاشات التلفزة قصف سيارات عليها آليات إطلاق قذائف الكاتيوشا، ولكن بعد مؤتمر صحفي كهذا، أو بيان عسكري شبيه، تأتي احصائيات إسرائيل لتتكلم عن 200 و250 و300 قذيفة في اليوم نفسه.

لقد أصبح الأمر موضع سخرية في الصحافة الإسرائيلية، فمثلا يكتب المحلل السياسي في صحيفة"هآرتس" الإسرائيلية ألوف بن: "لقد تباهى أولمرت وتعطّر بانتصاره على حسن نصر الله، في الوقت الذي سقطت فيه 200 قذيفة على بلدات الشمال في يوم واحد".

وجاء في كلمة صحيفة هآرتس، يوم الخميس الأخير: ولكن ماذا عن الصواريخ التي تطلق علينا حاليا؟ فحتى وإن قائمة الإنجازات ستصمد مع الوقت، إلا أنه لا يمكنها أن تغطي على عدم نجاح الجيش، بعد ثلاثة أسابيع من القتال، في منع إطلاق القذائف المكثف على إسرائيل، أو حتى تقليصه".

إن زخم المقاومة اللبنانية وتصديها لآلة الحرب الإسرائيلية نجح في إحداث شرخ في جوقة الدعاة للحرب في وسائل الإعلام المجندة، كما أن الشارع الإسرائيلي بدا يضيق ذرعا، في حين أن مئات الآلاف منه قابعون في ملاجئ تحت أرضية و ان جزءا جديا من الاقتصاد الإسرائيلي بات معطلا، وحتى الآن يجري الحديث عن خسائر إجمالية بقيمة ملياري دولار.

إن إسرائيل الرسمية بدأت تدفع ثمن مبالغاتها تجاه جمهورها نفسه، ومما لا شك فيه أن المحاسبة الداخلية الساخنة ستبدأ فور أن تهدأ فوهات مدافع إسرائيل، رغم أن المحللين في إسرائيل يعتقدون أن الطلقة الأخيرة في هذه الحرب ستكون من لبنان.

ثالثا- سياسة المبالغة تخدم من؟: ما يجري في داخل إسرائيل حاليا يجب أن يكون درسا تستفيد منه أطراف أخرى، فالحقائق الميدانية المجردة وحدها تكفي لتؤكد لنا مدى الجرم الإسرائيلي في هذه الحرب من جهة، ومدى بسالة المقاومة اللبنانية من جهة أخرى.

إن تضخيم الأرقام، الذي لا نحتاجه، يُغرق الجمهور العام في الأوهام، ورغم ضيق المجال هنا، فإنني أشير إلى أن إسرائيل نفسها اتبعت نهج ترويج الأرقام المبالغ بها، في سلسلة اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، كما جرى في مجزرة مخيم جنين، وكما جرى في حجم تدمير البيوت في منطقة رفح، وكانت تهدف من ذلك إلى تقزيم الحدث عندما يظهر على حقيقته.

بمعنى انه إذا كان الحديث عن تدمير 3 آلاف بيت في رفح، ويتضح لاحقا أن عدد البيوت هو 780 بيتا، تصبح الجريمة"أخف وطأة"، وإذا كان الترويج لعدد ضحايا مجزرة جنين بأنه 300، ويتضح أنهم 57 فإن الجريمة كلها لم تعد مجزرة.

إن اجتياز الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل، وفي صلبها كسر معنويات الشعوب العربية والمقاومة في كل مكان، يتطلب التعامل مع الحقائق كما هي لتعزيز ثقة الجمهور بالاعلام المركزي، ومرة أخرى فإن الدرس الجاري في داخل إسرائيل هو دليل جيد، ويجب الاستفادة منه. 

صحافي وكاتب سياسي- الناصرة

[email protected]