ثمانية مكونات لمجتمع مستقر!

اقتبست صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" مؤخراً عن "معهد الاقتصاد والسلام" ثمانية مكونات تحتاجها المجتمعات لتكون سلمية ومستقرة. وأشارت الصحيفة إلى أن "المناطق الساخنة، من الكونغو إلى الشرق الأوسط، يمكن أن تستفيد من هذه المعرفة". وقد رأيت أن أختبر هذه الوصفة على الأردن، باعتبارنا جزءاً من الشرق الأوسط، وغير منفصلين عن سخونة الحدث المحلي والإقليمي. وجاءت مكونات وصفة الاستقرار على النحو التالي:اضافة اعلان
أولاً: فعالية الحكومة. وتقاس "فعالية الحكومة"، وفقاً لتقرير المعهد، بنوعية الخدمات العامة، والخدمة المدنية، ووضع السياسات وتنفيذها، ومدى مصداقية التزام الحكومة بتلك السياسات. ويغلب أن تكون الفعالية لدينا، بهذه المعايير، منخفضة.
مثلاً، تعاني البنى التحتية للطرق والخدمات من مشكلات دائمة في الأردن. وكذلك الارتجالية وغياب الرؤية الاستراتيجة عن التخطيط لهذه البنى، كما يظهر في كثرة حفر الشوارع وضيقها، وهدر المياه، وتعثر المشاريع، والمواصلات، وانقطاعات الكهرباء.. إلخ. وعلى مستوى السياسة، من السهل توقع تقييم المواطنين لاضطلاع البرلمان بمهماته. وكذلك سوية الأداء الحكومي في التطوير الاقتصادي، والتعليم، والصحة، والوظائف. ويغلب أن يكون التقدير منخفضاً.
ثانياً: توزيع الموارد. وفي هذا المكون، يعاني الأردن من التفاوت الهائل في توزيع الثروة. والقاعدة السارية أن الغنيّ يزداد غنى والفقير يزداد فقراً باستمرار. وباستثناء حقبة "المد النفطي" التي وفرت الفرصة للأردنيين لتقليل الفجوات وتحسين الأوضاع بفعل عامل خارجي، فقد وصل الفرز مؤخراً مستوى جديداً بهبوط شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى إلى منطقة الفقر. ومن أسباب ذلك هدر عوائد فترة المد النفطي على الكماليات وعدم استغلالها في بناء قاعدة إنتاجية قابلة للديمومة. ورتب ذلك تنامي العنف المجتمعي، والجريمة، والانتحار، وكسل الحراك الاجتماعي. وكلّ ذلك ضاعف السخط والكلفة المادية. وكما يقترح التقرير، فإنّه يجب ضمان حصول المواطن على التأمين الصحي والاجتماعي؛ والتعليم المدعوم والجيد للجميع بفرصة متساوية؛ والوظائف. ويجب تخفيف حزمة الضرائب المختلفة التي تحتّ دخل المواطن.
ثالثاً: مستويات عالية للتعليم. ويمكن تقدير ما سيسجله طلبة الأردن على مقاييس تقييم الطلبة العالمية في مواد الرياضيات والعلوم، خاصة في المدارس الحكومية. وهناك عدم تساوي الفرصة في التعليم الجامعي وعدم توفيره بكلفة مناسبة، إضافة إلى رداءة نوعية المخرجات والمنهجيات. ويلاحظ التقرير أن تحسين فرص التعليم سيقلل مستويات العنف، ويؤكد أن مستقبل أميركا سيعتمد على هذا المكوّن، ولا شكّ أنّ مستقبل الأردن سيعتمد عليه أيضاً.
رابعاً: يتحدث التقرير عن خمسة عوامل أخرى: بيئة أعمال مناسبة؛ القبول بحق الآخرين؛ العلاقات الجيدة مع دول الجوار؛ التدفق الحر للمعلومات؛ وانخفاض مستويات الفساد. وفي معظم هذه المكونات الخمسة، يمكن تعقب الكثير من القصور. ففيما يتعلق ببيئة الأعمال، يتسبب الروتين والبيروقراطية في طرد الاستثمارات، بالإضافة إلى قصور البنى التحتية وارتفاع الكُلف على المستثمرين. وتفضي مناطق القصور في المكونات الثمانية إلى العنف والسخط ونزع صفة الاستقرار عن البلد، فتنفير الاستثمار.
وفي مجال حرية تدفق المعلومات، ثمة الكثير مما تمكن الشكوى منه فيما يتعلق بالشفافية، ومراقبة الإعلام وحجب المعلومات عنه. ونسمع دائماً عن أنشطة رسمية تجري في الخفاء، وعن رفض مسؤولين الإجابة عن أسئلة الصحفيين، والإصرار على جعل الكثير من المعلومات التي تهم الناس "أوف ذا ريكورد"!
في مسألة حقوق الآخرين، ما تزال مختلف أنواع السلطات، من السياسة إلى الثقافة والمجتمع، تمارس رقابة صارمة على حريّات الأفراد. وتعاني مجتمعاتنا بشكل مفرط من ثقافة العصبيات العقائدية والعصبوية والقبَلية والاعتقاد بأحقيّة الذات. وعلى السياسات العامة، تجلى ذلك في التضييق على الرأي الآخر وفرض رواية واحدة، فيما يقوض مبدأ التعددية. ويحتاج تغيير ذلك إلى تغيير هذه الثقافة جملة وتفصيلاً.
في مجال الفساد، هناك خطوات في هذا الشأن، لكننا نتمنى أن لا تكون من باب رفع العتب ومبدأ "كبش الفداء". ولمّا كان الفساد بهذا المستوى غير أصيل في بلدنا، فإنّ معالجة المكونات الأخرى كفيلة باجتثاثه إذا صاحبتها الجديّة والإصلاح.
بقي القول إن التقرير المذكور رصد في أميركا نفسها خللاً في هذه المكونات، لكن ذلك لا يعني أنّ معاينتها كثيرة علينا، ما دامت ستحقق لنا المكاسب، ووطناً أكثر سلاماً.

[email protected]