ثورة الجيل الثالث "ويب 3.0"

يعرف السلوك أنه مجموعة من المثيرات والاستجابات، وعملية احكام مزج المثير والاستجابة تنتج التعلم، وبتراكم نتاجات هذه الثنائية تبنى اللغة والافكار والمعرفة بحسب نظريات التعليم الثلاثية، البنائية والادراكية والسلوكية، وهذه النظريات التقليدية بالمناسبة ارتكزت بمجملها على التعلم النابع من ذات الفرد في إطار الحفظ والفهم والتحليل وما تعكسه هذه العمليات على سلوكنا من تعديل، فمثلا في المدرسة البنائية قدم بياجيه رؤيته للتعلم بصفته القدرة على استيعاب الاحداث وادارتها بذات الوقت.اضافة اعلان
إذن ببساطة التعلم هو التكيف حيث دمج المعلومات القديمة للفرد والموجودة في البنية الذهنية مع المعلومات الجديدة التي اكتسبها المتعلم.
استمرت هذه المدارس في إخضاع المفاهيم التربوية والتعليمية ضمن حدودها حتى بداية القرن الحالي، حيث بدأ انفجار مصادر المعرفة لنجد أن البيانات التي يزودها المعلم للمتعلم تملأ منصات التعليم الجديدة ويمكن الحصول عليها الكترونياً بأقل جهد من خلال ثورة الاتصالات والاجهزة الذكية. هنا عجزت المدارس التقليدية عن الاحاطة بتسونامي المعلومات الجديد، فصعدت نظرية (الترابطية) والتي تقوم بجوهرها على نقل مركز ثقل المعرفة من الذات الى المحيط بمعنى أن التعلم يحصل من الخارج وليس من الداخل.
في العام 2019 ارتفع عدد مستخدمي الانترنت بحسب موقع احصائيات الانترنت العالمية بمقدار 4.6 مليار بنسبة تعادل ستين بالمائة من سكان الكوكب، مقارنة مع 738 مليون مُستخدم العام 2000، قفزة مليارية مرت بثورة تكنولوجية بين «ويب 1.0» الصماء و"ويب 2.0" المرنة وصولا الى ثورة الجيل الثالث «ويب 3.0» والتي تتمحور حول مفهوم اللامركزية لشبكة المعلومات العالمية، بمعنى منح المستخدم صلاحية أكبر في ادارة البيانات ومزيد من الخصوصية، فيتم نقل تركيز البيانات من الشركات الى الافراد.
في كتاب (ما هو المستقبل) قدم تيم اورايلي قراءة مهمة لمشهد الحاضر في إطار رؤية تقوم على اننا نعي ان هنالك تغيرات كبرى قادمة في كل المجالات ولكن نحن لا ندرك ماهية هذه التبدلات، وهو ما يؤسس لحالة عدم اليقين التي نعيشها ومع ان الكتاب يقدم تطمينات مستقبلية في مجال العمل في المعادلة التي قدمها:
كلما احتلت التكنولوجيا وظائف ولدت بالمقابل اعمالا جديدة، الا أن الخوف من المستقبل يبقى حاضرا فيما يطرحه الكاتب حول ما يمكن بناؤه من تنبؤات وفقا للمعطيات التي بين أيدينا والتي من خلالها يمكن رسم خريطة للمستقبل الذي بدأ بالاستغناء عن قطاع الخدمات والشركات وهو ما يعني التبدلات الحتمية في القطاعات الحكومية الكبرى وعلى رأسها التعليم وهذا ما يعيدنا الى النظرية الترابطية.
في غرة الألفية وضع الباحث جورج سيمنز رؤية تعليمية جديدة في مقالته الموسومة بعنوان نظرية التعلم في العصر الرقمي والتي توسع فيها من خلال كتابه معرفة المعرفة - استكشاف لتأثير السياق المتغير وخصائص المعرفة- ومن خلال رؤيته يطيح بالمدارس التعليمية التقليدية حيث يرى انها فشلت في تفسير التعلم اللامنهجي الذي بات يشكل وعي الجيل الناشئ عبر الشبكة وبلا معلمين، حيث نجد أنه في بيئات الجيل الثاني للويب 2.0 ظهر العديد من شبكات ومجتمعات التعلم ذات البنية المعقدة. وهو ما يؤكد أن التقنيات المتقدمة تقدم العديد من العمليات المعرفية التي كان المعلمون يقومون بها من تخزين واسترجاع البيانات من الذاكرة.
فالبيانات الضخمة كما أسلفنا متوفرة ومتنوعة المصادر، ولم تعد مهمة المعلم والوزارة تقديم المعرفة بل المهمة اليوم تكمن في القدرة على تنظيم هذه البيانات الضخمة وترتيبها وهو ما يعني ان مفهوم التعليم يجب ان ينتقل لفلسفة التنظيم والمعالجة المعرفية.