ثورة نتنياهو بدأت

هآرتس

حيمي شليف

الاستقالة الجريئة لرئيس قسم الميزانيات، شاؤول مريدور، يمكن أن تتسبب بهزة عميقة، لكنها استقبلت بعدم اكتراث. رسالة استقالته تضمنت امورا تقشعر لها الابدان بشأن أداء وزير المالية اسرائيل كاتس بشكل خاص، وحول ادارة الاقتصاد الاسرائيلي بشكل عام. الهزة الارضية التي كانت تحدث في السابق هي الآن ضربة خفيفة على الجناح، وحتى هي تحدث بصعوبة.اضافة اعلان
يوجد لذلك عدة اسباب. اولا، كل شيء يتقزم امام الازمات الاكثر وجودية، كما يبدو، التي تتمثل بوباء متفش وانهيار اقتصادي وعدم استقرار سياسي تحول الى مزمن. ثانيا، سيل الاخبار الذي لا يتوقف والذي تخلقه الازمات، دفع استقالة مريدور الى الزاوية وهناك سرعان ما ستنسى.
ثالثا، بنيامين نتنياهو يعرف كيف يستغل الشلل الذي فرضه على النظام السياسي من اجل ازالة التوازنات والكوابح التي تحجب عنه ثغرات التهرب من المحاكمة، والمس بأسس الديمقراطية الليبرالية التي في وقت محنته كانت بالنسبة له شيء غريب. مريدور هو ضحية اخرى للصراع ضد استقلالية الوظيفة العامة، وهي حجر اساس في كل ديمقراطية حديثة، التي يسميها نتنياهو واصدقاؤه باستهزاء تحريضي "سلطة الموظفين". وحتى هذه فقط ساحة حرب واحدة من ساحات كثيرة في الحرب المدمرة التي يديرها نتنياهو ضد الأسس المتهالكة للنظام الديمقراطي، الذي رغم ذلك اوصلنا الى هذا الوضع.
بعد أن قام بـ"خصي" الكنيست وشل مراقب الدولة والانقضاض على الجهاز القضائي وادخاله الى وضع الدفاع، احتل نتنياهو جزء من وسائل الاعلام وفرض ذعره على الاخرى، كل ذلك بينما كان ينشر بشكل متعمد الخلافات والفتن ويحرض اسرائيل الواحدة على الاخرى – يصعب الامتناع عن التوصل الى استنتاج بأنه في طريقه الى انقاذ نفسه من الضائقة، فان نتنياهو يقوم بثورة. هو يطبق الوصية التي تقول "العالم القديم سنصادره من الاساس"، لكن بطريقة منضبطة وتدريجية وغير مرئية للعين تقريبا.
ثورة نتنياهو هي صيغة نقية واكثر ذكاء. وبسبب ذلك ربما هي ايضا اكثر خطرا من الحرب الدموية التي يديرها صديقه التوأم دونالد ترامب ضد الديمقراطية في امريكا. ترامب هو شخص متهور وفظ اكثر من نتنياهو. وازاء الاستطلاعات كما يبدو ايضا هو اكثر يأسا ويتجاهل القانون ويتنكر للدستور ويدوس على كل تقليد ويطلق النار في كل الاتجاهات. وهو يحرض متطرفي اليمين على استخدام العنف ويثير الشكوك حول نزاهة الانتخابات ويمهد الارض لمواجهة قانونية ويثير المخاوف من اندلاع حرب اهلية ويعرض سلوكات استبدادية وينشر بالجملة اكاذيب كبيرة، التي في ظل وباء الكورونا تحولت الى امور وحشية. افعاله وتصريحاته أدت الى تزايد المقارنات التاريخية بالمانيا في الثلاثينيات التي يمنع استخدامها عندنا.
نتنياهو وترامب يختلفان في الاسلوب وفي التكتيك، وليس في الدوافع والاستراتيجية. كلاهما نرجسيان ومصابان بالرهاب (البارانويا) ويشعران بمشاعر الاضطهاد، رغم أنهما ولدا مع ملعقة من الذهب في الفم وقفزا مثل النيزك الى القمة. كلاهما يردان على معارضة المؤسسة وعلى جهودها اليائسة للحفاظ على القانون والدستور في ظل انفجار قوي لجنون العظمة والتوق للانتقام.
كلاهما يقومان بانقلاب يمكن أن يتسبب بأضرار لا يمكن اصلاحها للديمقراطية ولثقة الجمهور بحصانتها، وبهذا يسحبان البساط من تحت اقدام الحياة المشتركة للمواطنين في دولتيهما. ولكن اذا استيقظا مع ممثليهم الذين اقسموا على الدفاع عن الديمقراطية فسيشخصون الاخطار ويجدون ما سماه اسحق بن اهارون قبل نصف قرن "شجاعة التحول قبل الكارثة".