جائحة المخدرات المنسية

قد يكون من المبالغة بعض الشيء وصف مشكلة المخدرات كجائحة أو وباء لان انتشارها لا يتم بانتقال فيروس أو بكتيريا ولكن بالتأكيد هي تنتقل من خلال الفضول والجهل والإغراء وكهروب من المشاكل الحياتية إلى عالم آخر. اما إذا أخذنا الأمور بنتائجها وحجم انتشارها والمخاطر الاقتصادية والصحية والاجتماعية المترتبة عليها فلا بأس تجاوزا بوصفها كجائحة.اضافة اعلان
هي جائحة لأنها بدأت بالانتشار سريعا في مجتمعنا قبل عدة سنوات حيث كانت قبل ذلك محدودة الانتشار وكنا نقول إن الأردن ممر للمخدرات وليس مقرا أو مستقرا وكانت كذلك لفترة طويلة. ولكن لظروف إقليمية وداخلية أصبح الأردن هدفا للمخدرات ومع تزايد مشاكل الشباب وخاصة البطالة والفقر تشكلت بيئة خصبة لانتشارها وأخذ التعاطي والادمان في النمو المتسارع منذ العام 2010 وما بعد ذلك. هي جائحة أيضا بسبب النتائج التي تترتب عليها على مستوى الأفراد والأسر والمجتمع ككل حيث أن الإدمان على المخدرات يدمر الحياة الطبيعية للأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية مع أفراد أسرهم وأحبائهم فهي تتسبب بمشاكل كثيرة اجتماعية ونفسية.
وهي كذلك نتيجة لآثارها الصحية على الأفراد المتعاطين أو المدمنين وآثارها المالية والاقتصادية سواء كان ذلك على مستوى الأفراد والأسر أم على مستوى المجتمع وبالنهاية الدولة. من الصعب تحديد التكلفة المالية لهذه المشكلة ولكن قياسا على ظواهر أخرى بالجريمة وغيرها فإن التكلفة بعشرات أو مئات الملايين من الدنانير سنويا.
هناك ما يقارب اليوم 19 ألف حالة تعاط وترويج وبالطبع هذا لا يمثل كل المتعاطين في المجتمع حيث التقديرات تصل لمئات الآلاف. بالتأكيد انتشار المخدرات ظاهرة ومشكلة عالمية لم تستطع أي دولة اجتثاثها كليا من جذورها ولكن العديد من الدول استطاعت اتباع سياسات متعددة وتطوير برامج لتقليص الظاهرة والحد من آثارها السلبية على الأفراد والمجتمع وبنسب نجاح مرتفعة في بعض البلدان. الأردن ليس استثناء بهذا السياق لكن الاستثناء هو الاستمرار في إنكار هذه الظاهرة أو تجاهلها. إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية الأخرى تقوم بجهود جبارة في مكافحة التهريب والترويج وحتى التعاطي وقد يكون أحد أسباب تنامي هذه الأعداد هو نجاعة إدارة المكافحة. كذلك، تقوم إدارة المكافحة بجهود كبيرة من خلال عملية التوعية العامة، في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية ولكنها تكاد تكون الجهة الوحيدة التي تقوم بهذه الجهود ضمن استراتيجية وبرامج محدودة.
الشق الآخر يكمن في الطلب على المخدرات والذي له أسباب ودوافع مركبة منها النفسي والاجتماعي والاقتصادي على المستويات الأسرية والمجتمعية والمؤسسية هذا الجانب من المشكلة لا يقل أهمية عن جانب العرض والذي لا يمكن معالجته بدون استراتيجية تشمل كافة الابعاد المرتبطة بالتعاطي والإدمان والعلاج أيضا. للأسف هذا الجانب وغيره من المشكلات الاجتماعية لا يبدو أنه ضمن سلم أولويات الحكومة أو الوزارات المعنية كوزارة التنمية الاجتماعية والتربية والتعليم والتعليم العالي والشباب وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة.
ما نحتاجه اليوم قبل الغد هو الاعتراف بهذه المشكلة وخطورتها على المجتمع واتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجتها ابتداء من المؤسسات وصولا لوضع استراتيجية متكاملة للتعامل معها. بالطبع هذا لا يعفي المؤسسات المختلفة من المبادرة واتخاذ الإجراءات المطلوبة من تلقاء نفسها لكن يبدو أن الجميع يتبع سياسة التسكين بدلا من المواجهة.