جائحة كورونا وصندوق النقد الدولي

لقد تركت جائحة كورونا آثارا اقتصادية مُدمرة على الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول الغنية منها والفقيرة. وللتكيف مع الأزمة لجأت الدول ذات الاقتصادات القوية إلى إجراءات مالية لتمكين مجتمعاتها من تجاوز الأزمة والتخفيف من آثارها السلبية على قطاع الأعمال وعلى المواطنين بشكل عام. أثر الأزمة كان اكثر على الدول الفقيرة. ودول العالم الثالث بشكل عام .أغلب هذه الدول تعاني أزمات اقتصادية متراكمة كارتفاع حجم المديونية والفقر والبطالة والتي أيضًا لجأت لإجراءات اقتصادية للتخفيف من حدة الأزمة على الاقتصاد والفئات الهشة اقتصاديًا. لكن شح الموارد المالية بسبب تعطل الاقتصاد شكل عامل ضغط كبير على هذه الدول ومع استمرار الأزمة تعاظمت المشاكل ووصلت إلى حدود كارثية في بعض الدول.اضافة اعلان
صندوق النقد الدولي استحدث برنامج طوارئ يدعم من خلاله عشرات الدول بقروض ميسرة لمساعدة هذه الدول للخروج من ازمة كورونا والاستمرار في الوفاء بالتزاماتها بسداد الديون أو فوائدها كأولوية لهذه الدول .هذا هو الإجراء الأسهل والأفضل للصندوق .بالطبع كان هناك خيارات أخرى كتأجيل سداد القروض خلال فترة الأزمة ولكنه لم يلجأ لهذا الخيار لأنه لا يتناسب مع مصالح الصندوق والدائنين ولكنه قد يكون الخيار المثالي للدول المدينة. فبدلًا من اللجوء للاقتراض وإن كان ميسرًا كان يمكن لهذه الدول أن تضخ هذه الأموال باقتصادها أو بالوفاء بالتزاماتها للمواطنين من رواتب وخدمات .المحصلة النهائية هي مزيد من القروض التي تؤدي إلى تعاظم حجم المديونية وتزيد من الأعباء الاقتصادية على هذه الدول.
الأردن ليست استثناء فقد وافق صندوق النقد الدولي على برنامج ائتماني جديد بأواخر آذار (مارس)من هذه العام وسوف يحل الصندوق ضيفًا علينا الأسبوع القادم لمراجعة هذه البرنامج والذي قد يؤدي لمزيد من القروض.
أغلب اقتصاديات دول العالم الثالث اشبه ما تكون بغرفة الإنعاش والمساعدات النقدية التي يقدمها الصندوق على شكل قروض وإن كانت ميسرة سوف تساعد هذه الاقتصاديات على البقاء في غرفة الانعاش دون ان يخرجها من أزمتها المالية .الحديث عن إصلاح الاختلالات الهيكلية الاقتصادية من وجهة نظر الصندوق لن يكون ممكنًا تحت هذه الظروف الاقتصادية المعقدة. وفي دولة كالأردن، فقد بدأت تطبيق وصفات صندوق النقد الدولي منذ بداية التسعينيات وحسب دراسات وتقييم الصندوق، فقد طبقت الأردن عشرات إن لم يكن مئات الإجراءات لإعادة هيكلة الاقتصاد دون أن تكون قادرة على إحداث نمو اقتصادي يساعد في معالجة مشكلتي الفقرة والبطالة، بل هما بازدياد ليس بسبب أزمة كورونا فقط بل قبل ذلك.
الاستنتاج الرئيس هو أن هذه الإجراءات وإن كانت ضرورية للمالية العامة للدولة، إلا أنها ليست كفيلة بدفع عجله الاقتصاد الأردني للإمام. للأسف، فإن العديد من الحكومات المتعافية لجأت للإجراءات أو للمتطلبات التي يمليها الصندوق ولم تقدم برامج اقتصادية موازية لمعالجة الأزمات الاقتصادية المتعافية على البلاد والنتيجة هي تفاقم هذه الأزمات.
جلالة الملك قبل أزمة كورونا وخلالها وجه الحكومات وطالبها بأن تكرس مبدأ الاعتماد على الذات عنوانا للمرحلة القادمة ليس فقط للخروج من الازمة الحالية وانما كتوجه تنموي مستقبلي. ذلك ممكن من خلال حشد الطاقات الوطنية البشرية والمادية وبالتعاون مع القطاع الخاص والاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الواعدة في الأردن كالزراعة وتكنولوجيا المعلومات والقطاع الطبي وغيرها من القطاعات التي أثبتت تميزها محليًا ودوليًا. لحد الآن لم نلحظ تحولًا في التفكير الاقتصادي الوطني لترجمه رؤية جلاله الملك والاستفاده من الإمكانات الهائلة الكامنة في الأردن. سياتي الصندوق لعمان قريبًا ويثني على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الأزمة وقد يوافق على قرض جديد للأردن وسوف نبقى ندور في حلقة مفرغة .