جاهلية قرن الإنترنت

حدثني أحد العاملين في مجال العمل التطوعي الصحي يعمل في منظمة دولية تنشط في مناطق النزاعات أن إقبال الأهالي في أجزاء كبيرة من باكستان وأفغانستان على تطعيم أطفالهم قد تأثر سلبا عقب اغتيال أسامة بن لادن والاعتقاد السائد أن الولايات المتحدة قد استخدمت حملات التطعيم للايقاع به مما أعطى أصحاب نظرية المؤامرة حجة قوية تعزز موقفهم المعارض للتطعيم والمستند إلى نظرية المؤامرة، وأدى إلى ارتفاع ملحوظ في حالات الإصابة بالأمراض المعدية. وفي نفس السياق لا يكاد يمر يوم دون أن يرسل لي أحد الأصدقاء خبرا أو مقطع فيديو حول ما إذا كان مرض السرطان مؤامرة كونية حاكتها شركات الأدوية أو حول اكتشافات مزيفة لعلماء مدعين ينتمون الى شعوب اصبحت تعيش وتقتات على هامش الحضارة يزعمون من خلالها قدرتهم على القضاء على امراض مستعصية.اضافة اعلان
ولا تقتصر هذه الظاهرة على شعوب بعينها وان كانت تعشش وتقتات على البيئات الاكثرتخلفا لكن لم يسلم منها حتى الدول المتطورة فها هي تقارير حديثة تصدرت من المملكة المتحدة تبين أن الحملات الواسعة ضد تطعيم الأطفال بحجة تأثيرها السلبي على صحة الطفل، وربطها بمرض التوحد قد تسببت بانخفاض نسبة التطعيم في بلد يعتبر رائدا في هذا المجال.
هذه الأخبار وغيرها تؤشر على مدى سطوة الإشاعات والأخبار المفبركة التي لا تستند إلى حقائق علمية أو تلك التي تقوم بلي عنق بعض الحقائق لتتناسب مع وجهة نظر أصحابها وتأثيرها السلبي على الناس المهيئين أصلاً لتقبل أي معلومة سلبية.
لقد وجد مروجو الإشاعة والباحثين عن الشهرة الكاذبة ضالتهم في وسائل التواصل الحديثة التي غيرت بصورة جذرية طرق استقبال البشر للمعلومات وتبادلها والحوار بشأنها ومنحتهم منابر واسعة الانتشار وبكلفة قليلة نسبياً وبلا ضوابط أخلاقية ليبنوا أمجادهم على حساب الناس المخدوعين في أكبر عملية تجهيل تشهدها البشرية، مما جعل من هذه الوسائل التي يفترض أن تكون مصدر إشعاع تنويريّ بؤرة للتجهيل.
لقد عملت وسائل التواصل الاجتماعي على زيادة سرعة انتشار المعلومات المثيرة للجدل ومدى انتشارها، وفي الوقت ذاته بتنا نرى تراجعا في الثقة بالمصادر التقليدية للمعلومات بحيث صار لزاماً على ناقلي رسائل التوعية الصحية شق طريقهم بصعوبة والابحار في عالم الإعلام المتشظي على نحو متزايد، وغالبا في سياق مسيس على نطاق واسع ولن نتمكن من ارسال رسائلنا الصحية التوعوية التي تهدف إلى ردم الهوة بين ما نعرفه وما نقوله وما نفعله ما لم نتسلح بالمعرفة وبمهارات التواصل.
كما يتعين على القائمين على ايصال رسائل التوعية الصحية مراعاة عوامل كثيرة عند رسم خططهم التوعوية فالمواضيع الصحية غالبا ما تكون معقدة أصلا وبالتالي تحتم استخدام مقاربة مدروسة وواضحة المعالم من خلال معرفة الفئة المستهدفة والسبل المثلى لايصال الرسائل لها وكيفية صياغة هذه الرسائل بحيث تلائم هذه الفئة.