جبال عجلون وجرش.. الخيرات الزراعية تجعل الأولوية لـ"الحوس والتغميس"

إعداد: منى أبو صبح

عمان- إن صعوبة التكوين الطبوغرافي لمنطقة جبال عجلون وجرش، سوف يكون لها أثر واضح في كل تفاصيل حياة الأردنيين في هذه المنطقة، على الأقل لغاية مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، وحتى اليوم فإن الزائر المتأتي لتلك المنطقة سوف يجد أمامه حوالي تسعين قرية وبلدة ومدينة تتوزع على شتى السفوح والقمم والوديان والتلال الوعرة، ما يمنحه فكرة واضحة عن ذلك التكوين الطبوغرافي الصعب.
إن سكان جبال عجلون شقوا طريقهم إلى الرزق من بين ثنايا تلك الطبيعة القاسية، فصحيح أن فلاحي حوران وتجارها القادمين إلى جبال عجلون كانوا يلاحظون أن الفلاح العجلوني يحمل كمية بسيطة من البذار ويخرج إلى حقله، مقارنة بكميات البذار الكبيرة التي كانوا يستعملونها في ديارهم، لكنهم أي هؤلاء القادمين من حوران، كانوا يعودون إلى الشمال محملين بما شاؤوا من أحمال المنتوجات العجلونية الأخرى التي لا تتوفر في منطقتهم، من الفواكه الطازجة والمجففة والبذور المتنوعة، ونرى أن الناس في عجلون أداروا مواردهم صعبة المنال، والنادرة باقتدار ومثابرة.
في هذه القرى الصغيرة المتناثرة، سكنت مجموعة كبيرة من العشائر، ليس هنا مجال البحث في أصولها وحركتها، ولكنها كانت تتوزع وتتحرك تبعا لمواقع "التعزيب" أي تبعا لمواقع الإقامة خارج القرية في مناطق الزراعة والرعي، لقد تشكلت أنوية كثيرة من القرى الجديدة نسبيا حول مواقع "التعزيب" هذه، ويمكن لنا أن نتناول مثال العشيرة الأكبر في المنطقة وهي "عشيرة المومنية" الذين كانوا يقطنون في قرية واحدة هي "عين جنا"، لكنهم أنشأوا في مناطق "التعزيب" الخاصة بهم أربع قرى أخرى؛ بعضها أكبر من القرية الأم، وبالطبع، فإن الحركة أخذت بالاعتبار خطوط النسب داخل العشيرة نفسها التي مع ذلك، يصر أهلها على التذكير بأنها أكبر عشيرة في الأردن من نسل رجل واحد.
اشتهرت المنطقة بكروم العنب وأشجار الفاكهة الأخرى بحجوم مكنت أهالي عجلون من أي يصبحوا مركزا لتزويد المناطق المحيطة في داخل الأردن بمنتجاته منها، كما مكنتهم من تحقيق فائض في الإنتاج وجد طريقه للأسواق المحيطة وخاصة في فلسطين والشام أحيانا.
وعن الحوسة والغموس، فقد أتاحت طبيعة الأرض والخبرات الزراعية المتنامية للناس هنا، أن يتعرفوا على زراعة كثير من الخضراوات، مثل البندورة والكوسا والبامية واليقطين والقرع والفول وخلاف ذلك، إلى جانب الكثير من الأعشاب والنباتات البرية القابلة للطبخ، مثل العكوب والفطر والخبيزة والعلت، لقد أولع أهل عجلون بـ"الحوس" أي طبخ واحدة من هذه الخضراوات والنباتات مع الزيت والبصل، وقد عرفوا قائمة كبيرة من الحوسات، تشمل حوسة الفكر وحوسة اليقطين وحوسة الفول وحوسة القرع وحوسة العكوب.
لقد أحبوا كثيرا "الغموس" بالخبز، وبحسب المتحدثين فإن الغموس بالخبز عند أهل المنطقة له قيمة خاصة، ومن بين جميع "الحوسات" تبقى حوسة البندورة المطبوخة بالطابون هي الأكثر شهرة، ففي موسم البندورة، كانت (البندورة) تتوفر بكميات كبيرة، فتأتي النساء ويقمن بفرم كمية كبيرة منها، وكن يقلين كمية من البصل مع الزيت أو السمن حتى "يذبل"، ثم يضاف فريم البندورة إلى البصل المقلي ويرش عليه الفلفل والملح ويوضع في طشطوش (وهو إناء فخاري كان يستخدم للطبخ)، ثم يوضع الطشطوش في فرن الطابون، ويترك حتى تنضج الحوسة، وكانت حينذاك تسكب في صحن كبير أو صينية وتغمس بواسطة الخبز، وكان البعض يأكل إلى جانبها البصل المقطع وقد يفضلها البعض بالبيض، حيث تفقس من خمس إلى ست بيضات وتخفق وتضاف إلى الطشطوش بعد نضوج البندورة.
لكن أهل المنطقة حرصوا على "حوسة البندورة" حتى في غير موسمها من خلال استعمال البندورة المجففة، التي تسمى "مشرط البندورة" نظرا لأنها قبل تجفيفها كانت تشرط إلى نصفين متصلين، ولكن عند أوان الحوس تختلف التسمية قليلا لتصبح "حوسة لمشرط".
غير أن الطعام، في منطقة جبال عجلون وجرش "مواسم" وفكرة الموسم أو "الماسم" بحسب اللفظ المحلي وجمعه "مواسم" تشكل محورا للحياة في المنطقة، سواء كنا ننظر إلى العمل والإنتاج زراعيا أو حيوانيا، أو إلى الغذاء والطبخ، وهي قد تشكل تقويما إنتاجيا وغذائيا أيضا، هناك موسم الفلاح والبذار، ثم موسم الحصاد وموسم إنتاج الحليب ومشتقاته، وموسم كروم العنب، وهناك مواسم فرعية مثل موسم البندورة (دبس البندورة وكشك البندورة)، وموسم الأعشاب والجنا والتبقيل، وموسم البطاطا، وموسم المقدوس، ويبدأ الأخير مع دخول الصليب، وهو في التقويم القديم يبدأ مع نهاية الخريف وبداية الشتاء.

اضافة اعلان

[email protected]

@munaabusubeh