جدلية المشاركة!

أثار النائب طارق خوري، الذي نظم مكتبه ندوة حوارية شارك فيها رؤساء حكومات سابقون حول سبب عزوف الأردنيين من أصول فلسطينية عن المشاركة بالانتخابات، عاصفة جدل لامتناهية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بين منتقد لعنوان الندوة، وآخر مشكك فيها وبتوقيتها، وثالث متسائل عن مرامي النائب، مستحضرا جدليته، وفريق رابع فضّل إبقاء السؤال في غرف مغلقة بعيدا عن "حوارات الفنادق"، وخامس أيد طرح السؤال على طاولة الحوار، وسماع وجهات النظر حوله.اضافة اعلان
بداية؛ علينا أن نقر بعيدا عن التقسيمات وتفريعها لأصول ومنابت بأن مشاركة الناخبين في المدن الكبرى (عمان، الزرقاء، إربد)، سواء بالانتخابات النيابية أو البلدية متدنّية، وهذا أمر يتطلب من الدولة التوقف عنده وبحث أسبابه، دون تبادل اتهامات أو استحضار لتقريعات تنخر وحدتنا الوطنية.
وبعيدا عن الجدلية في عنوان الورشة والمنظم، فإنه يتوجب ملاحظة حجم (ورق السُلفان) الذي يفضل البعض لفّ الأمور به، وسعيهم لعدم الغوص بغمار أي سؤال، والتسليم بأننا نذهب للإصلاح والتطوير دون أن يكون له أثر على أرض الواقع، في ظل توسع تموضعات إقليمية وتقسيمية من كل الأطراف دون استثناء، وانكماش وتقوقع نلمسه يوميا، ويعزّزه تطاول أفراد وجماعات على سلطة الدولة والقانون في مناسبات مختلفة.
الندوة وما تبعها من تعليقات أحيت بنفوس البعض أفكارا مسمومة نحن في غنى عنها، واستحضرت تخوفات وفزّاعات باتت واضحة وحاضرة بكل مناسبة، وأبرزها الحديث عن وطن بديل، وغيرها من فزّاعات جاهزة، مرفوضة أردنيا وعروبيا، ومن كل المدارس الفكرية.
الأهم أن الأردنيين بكل ألوانهم وأعراقهم وأصولهم وأديانهم وعشائرهم متساوون أمام القانون، ولا يجوز لأحد مصادرة حقهم بذلك تحت أي يافطة أو فزّاعة، وهؤلاء في كلهم العام مؤمنون بأن الوحدة الوطنية يتوّجب صونها من الجميع وبقوة.
تأسيسا على ذلك، وبعيدا عن جدلية الورشة يتوجب ملاحظة حقيقة عزوف الأردنيين عن الانتخابات، لكن العزوف وإن كان سمة لازمت مدنا كبرى، فهو بات عاما أكثر منه خاصا، والأرقام التي تم الإعلان عنها حول نسب مشاركة الناس بالانتخابات البلدية يدلّل على ذلك، فنسبة المشاركة في البلقاء والكرك ومادبا والعقبة ومعان والطفيلة تبدو متدنية هي الأخرى.
قبل الخوض بنسب المشاركة نستطيع ملاحظة أن نسب مشاركة المدن الكبرى بكل بلدان العالم قد تكون متدنية، بيد أن إبقاء الكلام بهذا الإطار؛ وكأننا لا نريد مواجهة الحقيقة وتغطيتها بالغربال لا يفيد، ولذلك فإن التوقف عند الظاهرة ووضع الحلول لها لا يعيب أحدا، وإنما يقوّي جبهة المشاركة، ويقوي الجهة التي تشرف على الانتخابات.  
تأسيسا على ذلك؛ تتوجب مناقشة أسباب العزوف العام، ومدى قناعة الناس بالانتخابات أصلا! والتساؤل عن أسباب عدم ملاحظة الدولة حتى اليوم العزوف عن المشاركة؟، ولماذا الإصرار على قوالب انتخابية جاهزة ومعلبة تساهم كلها بإبعاد الناس عن الانتخابات!
أجزم أن السبب الرئيس للعزوف يعود لعدم القناعة بقوانين الانتخاب، والتشكيك في الإصلاح وسيادة القانون، فالدولة عليها ملاحظة أن القوانين التي تجري وفقها الانتخابات منذ أكثر من 25 عاما، لم تعد محل ثقة للناس، وهؤلاء باتوا يميلون نحو التقوقع والجهوية أكثر من ميلهم لسيادة الدولة والقانون والإيجابية تجاه المشاركة.
الإصلاح كبداية يعني سيادة دولة القانون، وهذه تتطلب روافع حزبية، وهذا يعني تعزيز العمل الحزبي، ومنح الأحزاب دورا أكبر في الإصلاح، الذي نتحدث عنه. ويتطلب أيضا توفير بيئة حزبية لذلك، وهو ما لا يمكن أن يحصل دون قناعة الدولة بدعم الأحزاب فعلا وقولا، والتشريع لاحقا، بأن يكون للأحزاب مكان في قوانين الانتخاب عبر كوتا حزبية لا تقل عن نصف عدد أعضاء المجلس النيابي، فبدون وجود حزبي غير ديكوري لا يمكن أن يتطور الإصلاح ولا يمكن أن نصل لدولة القانون العصرية.