جريمة بحق الاقتصاد

سلامة الدرعاوي

كلما أتذكر أن المنحة الخليجيّة التي حصلت عليها المملكة ابتداءً من العام 2013 وبقيمة تناهز الـ 3.6 مليار دولار، ولم يكن لها انعكاس إيجابيّ على الاقتصاد الوطنيّ أُصاب بالذهول والاستياء.اضافة اعلان
هل يعقل أن يدخل الخزينة أموال مباشرة على شكل منحة ماليّة بهذا الرقم الكبير، ولا يساهم ذلك برفع النموّ الاقتصاديّ الذي بقي في حدوده الدنيا المتواضعة (2 %)!
كيف لحكومة مارست كُلّ صلاحياتها الدستوريّة، وأطلقت على نفسها بأنها صاحبة الولاية الكاملة في إدارة شؤون الدولة، وأن تحصل في فترة ولايتها الرسميّة التي اقتربت من أربع سنوات على منحة خليجيّة مباشرة للخزينة بقيمة 3.6 مليار دولار، وبنفس الوقت يرتفع عجز الموازنة وتزداد المديونية بأكثر من 8 مليارات دولار، أليس من المنطق أن تستخدم أموال المنحة لتغطية النفقات الرأسماليّة في الموازنة التي تموّل من الاقتراض؟
أليس من الجنون أن تصرف هذه الحكومة أكثر من مليار دولار من أموال المنحة على "زفتة شوارع" ليس لها أيّ قيمة مضافة على الاقتصاد الوطنيّ، وباقي عمليات الصرف على مشاريع غير مجدية تنمويّاً ولا استثماريّا للدولة!
كيف لهذه الحكومة أن تصرف كُلّ أموال مشاريع المنحة الخليجيّة على مشاريع متفرقة وهي تعلم أن أكبر أزمة لديها هي أزمة المياه الخانقة التي تشكّل احد أكبر التحديات على المملكة، أليس من الأجدى ان توجّه هذه الأموال التي أُودعت في حساب خلص لدى البنك المركزيّ لإقامة مشروع لتحلية المياه الذي تؤكد كُلّ الدراسات أنه لا يوجد حلّ لأزمة المياه في المملكة دون إقامة هذا المشروع الاستراتيجيّ الذي تتراوح كلفه ما بين
(2-3) مليار دولار، حينها سيكون الحل موجودا وسهلا للعديد من القطاعات الاقتصاديّة والاستثماريّة، ناهيك عن أنه يحقق الأمن الاستراتيجيّ للدولة.
الأشقاء في المغرب حصلوا على منحة خليجية بقيمة 5 مليارات دولار وضعوها كاملة في مشروع استراتيجيّ واحد وهو النقل، حيث تم تطوير مشاريع سكة الحديد لديهم والتي باتت اليوم الأفضل والأحدث في المنطقة، في حين قامت حكومتنا (غير الرشيدة) ببعثرة أموال المنحة وإضاعتها على مشاريع لا تجدي نفعا اقتصاديّاً ولا استثماريّاً.
أزمة المياه الحالية التي تمرّ بها المملكة لا يمكن أن تنتهي هذا الصيف أو الذي بعده، فهي أزمة تزداد عمقا مع مرور الوقت وتأخر العقل الحكومي في اتخاذ القرار الحاسم والاستراتيجي في المباشرة بمشروع تحلية المياه.
أكبر تحدٍ أمام عملية الإصلاح في الأردن ليس نقص الموارد المالية كما يعتقد البعض، بل هي القصور العقلي، والجمود الفكري الذي أحاط بحكومات كاملة ومسؤوليها الذين أضاعوا فرصة التطوير والإصلاح نتيجة انشغالهم بمصالحهم الشخصية لا أكثر، وضيق أفقهم العاجز عن تلمّس احتياجات الدولة المصيرية، والمنحة الخليجيّة وإدارتها أكبر دليل على فشل الإدارة الرسمية في توظيف المساعدات بالشكل الصحيح الذي يخدم الدولة ومصالحها الإستراتيجيّة، ومع ذلك لا نجد من يحاسبهم على هذا التقصير الذي أجزم أنه أشد فتكا بالدولة من كافة قضايا الفساد التي يتحدث البعض عنها منذ تأسيس الإمارة، فلا يوجد جريمة ارتكبت بحق الاقتصاد الوطنيّ أكبر من جريمة إدارة ملف المنحة الخليجيّة التي تبخرت هباءً منثورا.