ضيوف الغد

جسد على جرافة

باهر يعيش

بالأمس، قامت جرافة تابعة للجيش الإسرائيلي المحتل لفلسطين، والذي يلهث(البعض القليل) منا ليضع يده بيد قادته، بـ( حفر) وشنق بعد الحفر والمرجحة لجثة شاب(عربي)…عربي يتكلم العربية ويدين بدين نبي عربي. شاب يتكلم العربية، درسناه في مدارسنا عن حب الوطن(الوطن جميعه)من بلاد العُرب أوطاني.. منذ طفولة الأول ابتدائي، حتى شب صبيًا وقد خط شارب(الرجولة) الذي علمناه أنه علامة الرجولة والكرامة والحزم؛ معالم وجهه.
درسناه علمناه. كررنا حتى بات يسري في شرايينه مع دمه الأحمر القاني أن…(بلاد العُرب أوطاني)، وأن( موطني… موطنه، موطنه؛ الجلال والجمال في سماه والكرامة والبطولة والرجولة…في علاه…موطني). حدثناه عن الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وأن أباه وجده وقف مع الجزائر واليمن وتونس وجزيرتنا العربية وسورية ولبنان والعراق والصومال وووو اثنتين وعشرين (واوًا) كانت (جسدًا واحدًا قبل أن يفتتوه)في كفاحها ضد الاستعمار.
علمونا، علموه… أن دماء الشهداء حين تسيل على ثرى الوطن، تنساب بعيدًا وتفرش على اتساع الأرض إلى أعماق أعماقها، وعلى اتساعها لتزهر نبتًا من نرجس كوجه الشهيد/الشهيدة الجميل، وزهرًا من شقائق النعمان بلون دمه/دمها. صبي، وقد أصبح على باب مرحلة الشباب حيث الدم، دمه، دم الرجولة المبكرة والكرامة والنخوة وحب الوطن ورفض المذلة والاحتلال؛ ما يزال فائرًا حاميًا لما يبرد بعد؛ وقف ضد عدوه عدونا عدوكم. من علمتوه صغيرًا ان يهتف…بلاد العرب أوطاني و…موطني. وقف ليقول للمحتل(لا)؛ بالهتاف بالحجر بالجسد أمام دروعه بعد أن سكتت صمتت بكمت المدافع.
المسكين يظن أن خلفه ووراءه من يحميهم …يحمونه، أو في أضعف الإيمان؛ يصفقون له إن استشهد دفاعًا عن وطنه …بالطريقة التي يفهمها في غياب جيوش جرارة كما علموه في تاريخهم: انها هزمت قيصر وأنوشروان. لم يجد ورفاقه سوى أيديهم وأجسادهم في نيام نيام القوم..ليقفوا أمام مدرعات العدو. أصيب بطلقاتهم وهو أعزل من السلاح…سقط…سال دمه على أرض الوطن…حاول رفاقه حمله بعيدًا إلى المشفى أو إلى حضن أمه أو أخته الكبرى …تهدهد قبل أن تصعد روحه إلى بارئها، والورد والطيور تزغرد والقوم يزفونه والملائكة تحف بجسده المخضب بحناء دمه لكن الوحش كان له بالمرصاد!!.
(جرافة) للاحتلال من صنع من يقفون مع المحتل، يحمونه، وبحراسة مدرعة من صنعهم أيضًا؛ يقوم وحش من بشر فيها و..(حاشا الله أن يكون بشرًا) بحفر جسد الشهيد بجرافته…يزحزحها…يحاول أن يحويها في صندوق جرافته كمن يحوي توالفهم (معاذ الله). يأبى الجسد الطاهر أن يكون كما التوالف من الشيء يحمل في صندوق مفرغة…يقاوم. ينجح ويستمر التدحرج والحفر والتمثيل بالجسد الغض و…بلاد العرب أوطاني، لكن لا أحد يهتم …لا يرون، يحسبه (بعضهم، من باب الأمانة)فيلمًا من أفلام رَبعِ كانوا يحتلون بلادهم وما يزالون يدعمون محتلًا، من يمثلهم خير تمثيل، يحسبونه شريطا سينمائيا من أفلام رعب…سيئ الذكر(هتشكوك), الذي فاز بجوائزهم عن القتل والتمثيل والرعب في أجساد الإنسان، وخلف منهم كثيرا في مهنته…يبرعون.
لم يجد سائق جرافة الاحتلال بلا خوف ولا وجل بل بمتعة كبرى وهو يتلاعب بالجسد الطاهر العنيد، وهو يعي أن العالم ينظر يشاهد يستمتع, لم يجد سوى أن يتحايل على الجسد المسجى والمقاوم والعنيد على الذل, المقاوم حتى في الممات والمترفع عن الخبث، سوى أن يعلقه من رقبته ويسير به وجسد الفتى يرقص في هواء الوطن، يودع الأهل والبحر والحقل والشجر والصخر..من يفهمه أكثر, تحبه ويحبها أكثر و…يشبهها أكثر والقوم…نيام, إلا من رحم ربي.
هذا ليس شريط رعب سينمائيا من إخراج أهل الرعب، بل هو حقيقة الرعب من أهل الرعب… جرى بالأمس على تراب فلسطين، هو معركة شرسة بين جسد فتىً فلسطيني (عربي) يتبع…بلاد العُرب أوطاني, ابن موطني…موطني، ومدرعة وجرافة احتلال. يرحمه الله و…يرحمنا. سيبقى فتية وفتيات ينشدون…بلاد العرب أوطاني و…موطني أبد الدهر ..

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock