جلعاد اتزمون.. اليهودي الفخور بكراهيته لنفسه

يخوض جلعاد أتزمون، معركة ضارية ضد اليهود وإسرائيل، وتخاض ضده معركة أشد ضراوة. ففي كتابه "The wandering who?" يفرق بين ثلاثة معان لكلمة يهودي (Jewish)، وهي: اضافة اعلان
- المعنى الذي ينطبق على الشخص الذي يدين بالدين اليهودي، الذي ليس له خصام معه.
- المعنى الذي يشير إلى الناس من أصل يهودي الذي ليس له معه مشكلة.
- المعنى الذي يخص أولئك اليهود غير المتدينين، الذين يؤكدون هويتهم اليهودية، فوق وقبل عضويتهم البسيطة في المجتمع البشري. ولأنه يرفض هذا التعالي اليهودي العنصري، فإنه يُتهم باللاسامية، مع أنه يهودي. يعتقد أتزمون أنه يجوز انتقاد اليهود، حسب المعنى الثالث.
يرى أستاذ الفيزياء في جامعة لوفتين البلجيكية جان بريكمونت أن من البديهي أن يكون لكل فرد الحق الكامل بالشعور بالانتماء لجماعته، التي يشعر تجاهها بالعزة أو الفخر، أو لمشاركته في أفكاره عن نفسه، وأن هذه المشاعر نابعة من مصادفات الذاكرة، إلا أن مشاعر الكبرياء تلك غير عقلانية. ويتساءل: لكن من الذي يجب عليه محاولة إجبار الناس ليكونوا عقلانيين؟ وهل تقع الحروب لأسباب عقلانية؟ لقد دفع الكاتب اليهودي الغربي المؤثر برنارد هنري ليفي بلده فرنسا إلى شن الحرب على ليبيا، ثم أعلن أنه فعل ذلك كيهودي وأنه مخلص ليهوديته.
إن هذا الموقف غير عقلاني كما يقول الأستاذ جان بريكمونت، وأنه يجب السماح للناس غير اليهود، للتعجب -على الأقل- من الهوية اليهودية، التي جرهم باسمها إلى حرب، مهما كان رأي المرء فيها، مع أنها لم تكن حرباً للدفاع عن فرنسا.
تنشأ مشكلة هذه الهوية أو تلك بامتيازات أو بمكانة سياسية وبخاصة للأديان. عندما تلتف فئة ما، في الدولة حول هوية ما وتطالب بحقوق إضافية أو امتيازات، فإنه يجب السماح لبقية الفئات والهويات بتحدي تبريراتها لهذه الحقوق الإضافية، أو الامتيازات، والتي يحاول دين ما -مثلاً- فرض قيمه أو أخلاقه على المجتمع.
- إن السياسة تتداعى اليوم، ويمكن تلخيصها بالصراع بين الهويات والمسائل الاجتماعية الاقتصادية، لكن توجد هوية يهودية تذهب تداعياتها بعيداً، فيما وراء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في التأثير على حرية التعبير أو على العلاقات مع المسلمين، بالإضافة إلى أمور أخرى.
 إذ بينما تُهاجم الهويات علناً وبانتظام وبخاصة هوية المسلمين، فإن ميزة اتزمون العظيمة، مطالبته الاعتراف بوجود هوية يهودية سياسية، يحق للجميع نقدها، الأمر الذي لم يجرؤ أحد على المطالبة به، والذي جعل حركة التضامن مع الفلسطينيين في أميركا تبتعد -للأسف- عنه. وعندما اتهمته الصهيونية باليهودي الكاره لنفسه، رد عليها بـ"I am a Proud self hating Jew ".
لعل الطريق الوحيد لوضع نهاية لسياسة الهوية الدينية، توسيع مفهوم العَلْمانية، وبحيث تفصل الهوية (الذاكرة) عن الدولة وحتى عن السياسة، كما هو حاصل بالنسبة للدين. بمعنى ترك الحرية لكل فرد لتحديد الفئة، التي ينتمي إليها، والأحداث التاريخية المهمة والمقدسة عنده، بشرط أن تكون المدارس والجامعات محايدة تجاه هذه الخيارات. وفي مجتمع ديمقراطي عَلَماني يجب قصر السياسة على الإدارة العامة للمواطنين والقوانين والأنظمة والإجراءات الاجتماعية والاقتصادية، وليس بما يجب على المواطن أن يعتقده، وإلا ظل المواطنون يساقون إلى المحاكم، والإساءة إلى فئات معينة أو إهانتها قائمة، وإنكار أفكار أو حقائق تاريخية معينة جراء تعبير أحمق، قد يؤدي إلى احتجاجات يتبعها اعتذارات أو تنازلات في أوقات ما، أو نقد ذاتي في أوقات أخرى.
لكن إذا كان متاحاً لكل فرد الاستمتاع بهويته المحبوبة، فيجب أن يكون متاحاً أيضاً لكل فرد نشأ في هوية معينة أو دين معين الانفصال عنهما، والتمرد ضدهما ونقدهما. مثل من يقومون بذلك يعتبرون مفكرين أحراراً، ولكن ذلك محرم عليهم إن كانوا من أصل يهودي، مثل جلعاد أتزمون الذي قرف من الهوية اليهودية لدرجة بالغ فيها بنقدها. لكن على أي أساس لا يقبل من اليهودي أن يكون شديد النقد لدينه/ ثقافته؟ ولماذا لا يستطيع أن يزيدها عليهما به. إنه ليس الوحيد من اليهود الذي يفعل ذلك، ولكنه الوحيد الذي يفعله علناً.
أليس شكلاً غامضاً من اللاسامية منع يهودي من التمرد، أو الثورة ضد أصله، بينما يقبل مثل هذا التمرد إذا كان صادراً من أي أصول أخرى؟ إنه خطأ كبير من حركة التضامن مع القضية الفلسطينية، الابتعاد عن أتزمون، فإسرائيل لا ترغب في تقديم (التنازلات) اللازمة للعيش بسلام مع الفلسطينيين. إن السبب الرئيس لذلك دعم الغرب المطلق لها، وهو ما يجب على حركة التضامن إعطاؤه الأولوية لتفكيكه، وبخاصة بعدما فقدت إسرائيل فائدتها للغرب اليوم، لأن استغلال المنظمات الصهيونية لتهمة اللاسامية، وإبقاء مناخ الشعور بالذنب، ولزوم التوبة أو التكفير عنه، لا يتوقفان أبداً. إن في هجوم اتزمون على القبلية اليهودية إسهام أساسي للتضامن مع الفلسطينيين.
يجب مساعدة غير اليهود على إدراك أنهم ليسوا دائماً مع الجانب الخطأ، عندما تنشأ صراعات مع المنظمات الصهيونية. إن اليوم الذي يحرر فيه غير اليهود أنفسهم من خليط الخوف والشعور بالذنب، سينهار فيه الدعم غير المشروط لإسرائيل ولحصانتها.
يقول المؤرخ الأميركي A.J.M USTE: إن مشكلة جميع الحروب اعتقاد المنتصر أن العنف يفيد، ولكن التفوق العسكري الإسرائيلي وحصانة إسرائيل، التي يؤمن اليهود أنهم يملكونها (إلى الأبد)، تعزز ما يقوله أتزمون.
إن أعظم خدمة لليهود مقاومة ضغوطهم، بدلاً من الاستسلام لها. يوجد في فرنسا قانون ضد من يشكك في المحرقة، وليس في أي حدث للآخرين. كما يحاكم الناس إذا دعوا إلى مقاطعة إسرائيل، وليس إلى مقاطعة أي بلد آخر. إن العروض والكتابات المؤذية لكل أنواع الناس لا نهاية لها، ما خلا لليهود. لا يوجد قيد على إهانة مقدسات المسلمين والمسيحيين. ومن الخطورة الإشارة إلى اللوبي الإسرائيلي المتغطرس أو لسلوك مؤيديه وتصميمهم الانتحاري لفرض السياسة التي يريدون على الشعب الفرنسي، ورقابتهم المفروضة عليه لمنع أي احتجاج.