جمال سليمان.. ما أجملها من "خيانة"!

نزلت مقالة النجم السوري المحبوب جمال سليمان في صحيفة الحياة اللندنية على قلوب ملايين العرب مثل الماء العذب البارد، لتكون "برداً وسلاماً" للنار التي تكويها، وهي تتقطّع حزناً وكمداً مما يقوم به سفاح دمشق.اضافة اعلان
لماذا تمّ تداول مقالة "النظام السوري حين لا يحتمل جلسة عشاء في الكبابجي" بسرعة شديدة وعلى نطاق واسع؟ أزعم أنّ السبب في ذلك -بالإضافة إلى مكانة جمال الأدبية والفنية وجماهيريته الواسعة- أنّ الناس لمست فيها صوت العقل والموضوعية والمصداقية، وتحدّثت ليس بوجع  السوريين وحدهم، بل ملايين العرب الذين ما يزالون يعانون من الأنظمة التي تحكم من خلال التقارير الأمنية والإعلام البائس صاحب منطق التخوين والتشكيك بكل من ينتقد الخطأ ويطالب بالإصلاح!
المقالة مكرّسة للواقع السوري المرير، لكن الصورة التي تعكسها المرآة أكبر من هذا الواقع، وإن اختلفت بعض التفاصيل. فسليمان انتقل من حادثة صغيرة، تتمثّل في عشاء في مطعم الكبابجي في القاهرة، ضمه مع بعض السوريين، ليعبر منها إلى تشريح العقلية التي تحكم النظام السوري- والأنظمة السلطوية، سواء كانت ذات القفّاز الأمني الخشن أو الناعم!
يثوي في عمق مقالة سليمان المفهوم الخاطئ والكاذب الذي تروجه الأجهزة الأمنية لمفهوم الوطنية والولاء، إذ تريد اختزاله في الطبقة المستفيدة من الوضع الراهن والمصفقين والمطبلين للاستبداد والفساد، بينما يتم اتهام من يدعون إلى الديمقراطية وتداول السلطة والدولة المدنية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.. بالتواطؤ مع المؤامرة والتخريب!
المقالة بمثابة نص جميل، تنبثق منه رؤية مشرقة تفضح التناقضات والثغرات الواضحة في الخطاب السلطوي والفاشي المتواطئ معه. ولعل الفقرات التالية وحدها بمثابة رد ناصع على من يروجّون منطق التخوين والمؤامرة..
"من الأمور المدهشة خلال الثورة، أو الأزمة، أو الحراك، أو حملة الاحتجاجات في الشارع السوري –كل وفق ما يحب أن يسميها- أن نسبة كبيرة منا نحن السوريين خائنة ومستعدة للتضحية حتى بنفسها وأولادها وبيوتها خدمة للمؤامرة والمشروع الصهيوني".
"هذا كان مخيباً لنا نحن السوريين، الذين كنا نظن أنفسنا -على اختلاف انتماءاتنا الدينية والعرقية والسياسية والفكرية- وطنيين وقوميين ومعنيين بمقاومة المشروع الصهيوني.. وهذا، كما هو معلوم، لم يبدأ مع مجيء البعث إلى السلطة بل من زمن أبعد، يوم ذهب عز الدين القسام وفوزي القاوقجي وغيرهما كثرٌ من السوريين لنجدة أهلنا في فلسطين..".
".. الشعب السوري لم ينتظر حزباً أو قائداً يسوقه إلى الوطنية ومقاومة المشروع الصهيوني، بل على العكس كانت جماهيرية أي حزب، أو قائد سياسي، قائمة على صدق سعيه وثباته في هذا المضمار. أي إن السوريين هم الذين اشترطوا في الحاكم مبدأ الإخلاص للمقاومة وليس العكس. إلا أن وسائل الإعلام شبه الرسمية التي تديرها مجموعة من الشبيحة الدمويين الذين حققوا شهرتهم العالمية في فترة وجيزة في حين عجز باقي السوريين عن الوصول إلى ذلك، بمن فيهم نحن معشر الممثلين، تكشف لنا بلا هوادة حجم الخيانة المتفشي فينا نحن السوريين الذين كان لنا رأي مختلف عن رأي النظام في التعاطي مع انتفاضة الشعب السوري ضد الفساد والاستبداد. ومن الخونة التي كشفتهم هذه الوسائل هو أنا، الذي لم أكن أعرف أنني قد أبيع وطني من أجل حفنة من الدولارات.."!
إذا كان الخونة هم من يتحدثون بلغتك يا جمال، فما أجملها من خيانة!

[email protected]