جنون

عشرات الشهداء من الابرياء سقطوا امس في قانا، ومنذ (20) يوماً يسقط يومياً شهداء وجرحى. لكن السؤال الموجه للجنون الاميركي- الاسرائيلي: ما الذي تفعله هذه السياسة؟ واي عقل يحركها غير الرغبة في القتل والانتقام والثأر؟

اضافة اعلان

لأن جنون العظمة وهمجية السلاح لا تعرف ماذا تصنع فإن علينا ان نذكرها ان كل طلقة او هجمة اسرائيلية تزرع في نفوس العرب والمسلمين معتدلين او متشددين حقيقة ان اميركا عدو، وأن الحرب عليها اقل الردود على جنونها وتطرفها، وأن فكرة التعايش، حتى الشكلي، مع الكيان الصهيوني غير قابلة للتحقق. فمن يتحدث مع الاطفال عبر طائرات حربية لا يمكنه ان يمارس السياسة والدبلوماسية مع الكبار.

الحرب والعدوان على لبنان اميركيان بامتياز. والادارة الاميركية المتطرفة هي التي تؤجج الحرب. ولو كان الامر بمنطق اسرائيل وما تلقته من خسائر وانتكاسات عسكرية لتوقف العدوان او على الأقل لبدأ المسار السياسي، لكن اميركا تريد الحرب ان تستمر، وأن تشتري الوقت عبر جولات وزيرة الخارجية والمؤتمرات الدولية، وتحاول ما امكنها ان تعطي لجيش الاحتلال كل ما يريد من وقت وصمت دولي للوصول الى اهدافه التي تقتصر على قتل الاطفال والمدنيين وتدمير البيوت والجسور.

جيش الاحتلال يعاني من مشكلة حقيقية في المعلومات، ويحاول تعويض توتره وعجزه العسكري بممارسة سياسة (التحزير) في البحث عن اهداف عسكرية في لبنان، فيفترض ان داخل كل شاحنة او بيت او ملجأ صواريخ ومقاتلين. اميركا، بدورها، تمارس تطرفا واضحا وتشارك الكيان الصهيوني هذا العدوان، وعليها ان تتوقع مقابل تطرفها ردود افعال قصيرة الامد او بعيدة.

فالحقد والكراهية والرفض اول نتائج هذا الجنون الاميركي. فلا يعقل ان توجه الامة جهودها للذهاب نحو الوسطية والاعتدال بينما يتجه الطرف الآخر بسرعة نحو التطرف. فالوسطية والاعتدال العربي والاسلامي سيحمل وصفاً آخر، وهو ما يطالب به باري روبن مدير المركز العالمي للبحث في الشؤون الدولية في جامعة اسرائيل، إذ يطالب العرب بالاتجاه نحو "المنطق" والاعتراف بأنهم مهزومون والاستسلام لموازين القوى وعقد الصفقات على اساس هذه الموازين.

مشكلة اميركا واسرائيل انهما تتصرفان على نمط أحد الزعران وقطاع الطرق حين يعتدي على شخص وينكل به ويسلب ماله ويهرب معتقداً ان القصة تنتهي بهربه او نقل ضحيته الى المستشفى. لكن صراع الدول والشعوب ليس كذلك، فأميركا التي كانت في الذهن العربي على مسافة من اسرائيل، أصبحت في نظر الناس في موقع المحتل، فهي في العراق جيوش واحتلال، وفي لبنان شريك سياسي وعسكري، وكذلك في فلسطين.

اذا كانت اميركا تريد محاربة ايران فهل يتحقق ذلك بهذه الجرائم ضد الابرياء في لبنان؟! واذا كانت تريد بث الرعب في أوصال طهران لتقبل بمقترحات الدول الكبرى فهل من الضروري ان يتم تدمير لبنان وهدر سيادته وقتل اطفاله؟!

كما قال احد الزملاء فإن اسرائيل "افطرت" امس على عشرات المدنيين اللبنانيين، وفي كل يوم تأكل بجنون، ليس فقط جثث الناس، بل تأكل القناعة بأن هذا الجنون سياسي فقط، وليس له منطلقات فكرية وحضارية!

[email protected]