جورج وسوف

"رسائل إلى المحرر": نكتب لكم فاكتبوا لنا جورج حواتمة أنتمي إلى جيل تشكل وعيه السياسي مع وبعد حرب حزيران 1967 . كنت على مشارف الدراسة الثانوية عندما بدأنا نبحث عن الاخبار التي لم توفرها لنا الصحف الاردنية وقتها، وكان من المعتاد ان نشتري او نستعير او حتى "نستأجر" صحيفة كـ "الانوار" اللبنانية التي كانت تحمل عناوين مثيرة أغلبها حول استعادة العرب لقوتهم العسكرية من خلال عقد صفقات الاسلحة مع الاتحاد السوفييتي وحول استعداداتهم, خصوصا مصر, لخوض حرب جديدة مع اسرائيل لتحرير الاراضي التي احتلتها خلال حرب 1967. سافرت الى بريطانيا خلال حوادث الـ 1970 من اجل البدء بالدراسة الجامعية, فوجدت ان العناوين المثيرة غالبا ما كانت تستعملها صحف التابلويد والصحف المسائية, وان الصحف اليومية الراقية والعريقة كـ "التايمز" و "الغارديان" كانت تستعمل طرقا اخرى لجذب القارئ وإعلامه بأخبار وتحليلات ذلك اليوم. تعلمت ان شعبية الصحف, وبخاصة النوعية منها، غالبا ما كانت تقاس بمدى تفاعل القراء معها وبالتحديد بعدد الرسائل التي كانوا يكتبونها لتنشر من قبل المحررين كردود على التقارير الصحافية واعمدة الكتاب والتحليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لم تكن هناك انترنت ومواقع الكترونية تنشر التعليقات مباشرة على المواد المنشورة وتصنفها كردود... منها "الاكثر تعليقا" والـ "اكثر قراءة", كما الحال هذه الايام. كتبت ونشرت اولى "رسائلي" الى المحرر عام 1972 إثر زيارة قام بها للمدينة التي كنت ادرس فيها "مترك لندن" (تحضيرا لدخول الجامعة) انا وزملاء اردنيون وعرب المرحوم جون غلوب (ابو فارس) والمرحوم الصحافي البريطاني البارز مايكل ادامز. غلوب باشا وادامز جاءا الى مدينة نوريتش (عاصمة المملكة الانجلوسكسونية الغابرة "ايست انجليا", وتقع حوالي 100 ميل شمال شرق لندن) لافتتاح فرع لمجلس التفاهم العربي البريطاني "CAABU" عمل زملائي الطلبة الاردنيون والعرب على تأسيسه مع مجموعة من الاصدقاء الانجليز في تلك المنطقة. قال لي ادامز وقتها إن عليكم كمثقفين عرب ان تتفاعلوا مع الصحافة الإنجليزية وتشرحوا قضاياكم, فالصحف البريطانية لا تمثل بالضرورة وجهة نظر الحكومة التي غالبا ما دعمت المواقف الاسرائيلية خلال تلك الحقبة, واقترح ان اكتب رسالة الى "الغارديان" التي كان يراسلها من القاهرة إبّان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ووقف وإياها ضد حكومة انتوني ايدن التي شنت تلك الحرب. وهذا ما فعلت. وُنشِرت الرسالة وكنت فخورا الى درجة أنني ارسلتها لعائلتي واصدقائي في الاردن حتى إنهم اخذوا يصفوني بالـ"كاتب" حتى قبل ان ابدأ. الانجليز يقولون بأن على الانسان ان يضع قلما على ورقة ويكتب عندما يتولد لديه شعور قوي حول اية قضية, وعليه بالتالي ان يحاول نشر المادة المكتوبة حتى يتفاعل معها آخرون وبذلك يبقون على اتصال للتشاور والتشارك في اتخاذ الخطوة التالية اللازمة لمتابعة القضية. في ثقافتنا، نحن العرب، غالبا ما نستبدل الكتابة بالقول والمحادثة, ولهذه الممارسة ما يفسرها او حتى ما يبررها, والاسباب معروفة ... منها ما هو تاريخي او سياسي او مجتمعي يتصل بسيطرة الثقافة الشفوية وسطوتها. ما يهمني ان اقوله, إن ما حدث وقتئذٍ أثّر بي وبقي معي حتى حينما اصبحت رئيسا لتحرير "الجوردن تايمز"(عام 1983) وبعدها "الرأي" (عام 2001)، إذ حاولت ان تكون من اهم الزوايا في الصحيفتين المساحة المخصصة لـ"رسائل الى المحرر". التجربة في الصحيفة الناطقة بالانجليزية كانت اسهل في هذا المجال وانجح، وتطرقنا من خلالها إلى قضايا كبرى قد يذكر بعض منكم عددا منها، والسبب في ذلك يعود أولا لأن معظم القراء كانوا معتادين على زاوية "الرسائل" من خلال قراءتهم للصحف الاجنبية او الدولية، وثانيا لأن هناك ما يمنع قراء "الرأي", وكتابها ومحررّيها, من التواصل والتفاعل مع الزاوية الجديدة على افضل وجه. من بين هذه الاسباب عدم التمييز بين "الردود" والكتابات. فالاولى تعني انك تعلق على مادة نشرت في الصحيفة او تردّ عليها, إمّا تصويبا وتصحيحا او توضيحا او مجرد ابداء رأيك حولها, بينما الكتابات تبدأها انت وقد لا تكون حول موضوع طرق علنيا او من قبل الجريدة, وقد تتمركز حول فكرة فردية او ليس لها وقت وهكذا... الرسائل إذاً هي بالضرورة ردود تتضمن آراءً وحقائق وارقاماً تكمّل او تدحض او تصحح من خلالها آراءً او معلومات وردت من قبل كاتب عمود او مندوب صحيفة او محلّل او كانت مجرد قطعة اخبارية. من بين الاسباب ايضاً, ان قراء الصحف العربية والاردنية اعتادوا على وصف ما يجب ان تكون زاوية "رسائل الى المحرّر" بـ "بريد القراء" والتي لا يحب احدٌ ان يكتب بها الا اذا كان هاوياً جداً او غاوياً فقط رؤية اسمه في الصحيفة او ان يكون لديه شكوى ضد جهة حكومية او بلدية او شكوى مدنية يريد توصيلها الى صاحب القرار من غير ان تكون لهذه الشكوى ادلة مادية او حسية او قانونية او حتى صفة مجتمعية او ان تكون قضية عامة وليست فردية. قانون المطبوعات والنشر بصيغه السابقة والحالية يتضمن مادة طالما حاولت تغييرها لأنها عرقلت وما تزال تعرقل تطور زاوية "الرسائل" بطريقة غير مباشرة.. هذه المادة تقول: "إذا نشرت مطبوعة صحافية خبراً غير صحيح او مقالاً يتضمن معلومات غير صحيحة فيحق للشخص الذي يتعلق به الخبر او المقال الرد على الخبر او المقال او المطالبة بتصحيحه، وعلى رئيس التحرير المسؤول نشر الرد او التصحيح مجاناً في العدد الذي يلي تاريخ ورود اي منهما في والحروف نفسها التي نشر فيها الخبر او المقال في المطبوعة الصحافية. المكان هنا يعني ان الصحيفة المعنية قد تقع في ورطة قانونية اذا استعملت الردّ في زاوية كـ "الرسائل" وليس في الذي استعملت فيه المادة المثيرة للجدل أصلا, وهذا يعني العرقلة في تجميع الردود في مكان واحد. وهكذا اخذت هذه المادة التي تكررت في كل قوانين المطبوعات والنشر التي حكمت اطار عمل الصحف الاردنية على مدى العقود على ثني محرريها من استنباط زاوية تجمع بها الصحيفة كل الردود على ما جاء بها يوم امس ويوم اول من امس او الايام التي سبقت بالطبع التصحيحات والتوضيحات. أما الرسائل او الملاحظات من المحرر الى القراء فلا تدخل في باب او من باب "الرسائل الى المحرر". فلكل صحيفة في هذه المجال سياستها الخاصة بها. "النيويورك تايمز" مثلا لها عمود خاص على الصفحة الثانية أوالثالثة تتضمنه تصحيحاتها وتوضيحاتها الذاتية (وليست تلك التي يتقدم بها القراء) والجميع يعرف الى اين يذهب في حال اهتمامه او اهتمامها بقراءة الاغلاط او الاخطاء التي ترتكبها الصحيفة كل يوم, بينما في صحيفتنا هذه اخذنا نستعمل العمود الجديد "زواريب" لكتابة ونشر مواد كهذه ... مثل ما حدث الاسبوع الماضي مرتين, الاول في الخطأ غير المقصود باستعمال اسم الشاب حكمت مهيار حفظه الله بدلاً من اسم المرحوم حكمت قدورة في العمود الأسبوعي للزميل أيمن الصفدي. والثاني في التوضيح الذي نشرناه حول كاريكاتير الزميل عماد حجاج يوم الثلاثاء والذي اعتقد بعضهم انه يسيء للمشاعر الدينية لديهم. لم تكن "الزواريب" موجودة عندما دخلت دار _ قبل اربعين يوماً, وهي اليوم عمود راسخ, مفيد ومقروء. كذلك لم تكن هناك زاوية خاصة بـ "الرسائل الى المحرر" وانما كان موجوداً "منتدى _"، والذي راودتنا فكرته أيام "الرأي" مع الزملاء الذين كانوا هناك وابتدأوه لاحقا هنا بكل اقتدار. القسمة بين الرسائل وبقية مواد المنتدى حصلت لأن التغيير حق والتطوير واجب, وها هي زاوية "الرسائل" تكبر وتتحسن كل يوم. ما يساعد زميلنا الذي يشرف على هذه الزاوية الدكتور مهند مبيضين في الحصول على كل هذا الكم الهائل من الردود أن الموقع الالكتروني لـ_ جذاب وفعال وعليه نعتمد في تجيير الردود التي ينشرها كل يوم الآن والتعليقات لنسخة الغد الورقية.. لكن ما لا يسعفه ولا يسعفني ان بعض القراء يترددون في ذكر اسمهم الكامل او عنوانهم البريدي او الالكتروني في نهاية رسائلهم, وان آخرين ما يزالون يعتقدون ان استعمال كتاباتهم في هذه الزاوية يقلل من قيمتها مع انها أصبحت من بين الزوايا الاكثر قراءة والاكثر شعبية وانها قد تكون المخزون الشرعي والوحيد بل المرجعية لأهم ردود الافعال على ما يكتب في الجريدة ان لم تكن كلها. هذا من ناحية. أما من الناحية الأخرى فهناك مشاكل بنيوية تتعلق بكتاب الأعمدة الذين يفضلون استلام الرسائل التي ترد إليهم بأنفسهم، يعلقون عليها أو يغفلونها، كل حسب رغبته. وهذه الممارسة غير موجودة تقريبا في الصحف الأجنبية، لأن مقالات الكتّاب هناك ملك للصحيفة، وليس للكاتب، إذ إن كاتب الرسالة يبعثها للصحيفة وليس لكاتب المقال. وقد يكون الحال تغير الآن مع إرفاق الكتّاب الأجانب عناوينهم الإلكترونية في ذيل مقالاتهم... في الوقت ذاته الذي بدأنا في _ محاولات دؤوبة لتجاوز هذا الأمر، حيث أخذنا نطلب من الزملاء الكتّاب أن يستعملوا العناوين الإلكترونية التي تعطيهم إياها الصحيفة كي نستطيع في إدارة التحرير مشاركتهم في قراءتها ولربما استعمالها في صفحة "الرسائل" كي نتشارك جميعا، محررين وقراء، في رصد ردود الفعل لما يكتب في صحيفتنا. * * * * * للكاتبة دانا وليد التي قالت إنها تحب ان تقرأ ما اكتب ولكنها تريد مني عدم الاطالة في مقالاتي, حيث جاء ذلك في رسالة نشرناها لها في عدد _ يوم 11/1/2008، ولغيرها من القراء الاعزاء الذين يشاركونها الرأي، اريد ان ابرّر الاطالة بالقول إن الكثير من الافكار (والقصص) التي أوردتها هنا لا تحتمل التأجيل او التضمين في مجال غير هذا, وهكذا أحببت ان أسردها قبل ان يفوت عليها وقت طويل وتعود غير ذات قيمة او فائدة. لكنني أعدهم بأنني سأحاول الاختصار في المقالات القادمة... فبدوري لا أريد أن افقد احداً من الذين يقرأونني او ان يشعر اي منهم بالاغتراب عني حين يفعلون, وايضاً لا اريد لـ"الزواريب" ان تختفي من هذه المساحة يوم نشر مقالي بفعل الاطالة, الذي ارتكبته من قبل وارتكبه الآن. اكتبوا من رسائلكم مهما كان طولها فنحن بانتظارها ونرحب دوماً بنشرها. [email protected] اضافة اعلان