جورج ويا من "ميستر" جورج الى "السيد الرئيس"

جورج ويا من "ميستر" جورج الى "السيد الرئيس"
جورج ويا من "ميستر" جورج الى "السيد الرئيس"

  بيروت - تسود لدى الرأي العام فكرة ملتبسة عن معظم لاعبي كرة القدم بان محترفي الكرة المستديرة تنقصهم الثقافة العامة والمؤهلات العلمية لاحتلال مناصب عليا في المجال السياسي نظرا لمجيئهم عادة من بيئة فقيرة تنجب عباقرة اللعبة في العالم، بيد ان الليبيري جورج ويا يبدو في طريقه لوضع استثناء لهذه القاعدة باعتباره المرشح الاقوى للانتخابات الرئاسية في ليبيريا التي ستجرى الشهر المقبل.

اضافة اعلان

 وسيختار الناخبون في الحادي عشر تشرين الاول/اكتوبر المقبل خلفا للرئيس الانتقالي رجل الاعمال غويد براينت الذي استلم الحكم في تشرين الاول/اكتوبر 2003 خلفا للرئيس السابق تشارلز تايلور (صديق وياه) بعد 14 سنة من الحرب الاهلية اتفقت على اثرها الميليشيات المسلحة بوقف اطلاق النار والاعتماد على 15 الف جندي تابعين للامم المتحدة للقيام بمهمة حفظ السلام، وتضم لائحة المرشحين 22 شخصا وهو ما جعل بعض الظرفاء يعلق قائلا: سيسيطر عليهم ويا كما كان يفعل في ملاعب الكرة كون عددهم مطابق تماما للاعبي الفريقين على ارض الملعب.

 وسعى المناهضون لترشيح "جورج اوبونغ ماني ويا" الى منصب الرئاسة بوضع شتى العراقيل في طريقه كاتهامه بانه يحمل الجنسية الفرنسية وهو ما لم تأخذ به لجنة التدقيق الانتخابية في ليبيريا، وان جميع مشاريعه التجارية في ليبيريا باءت بالفشل، ويتعرض ويا (39 عاما) لانتقادات لاذعة من معارضيه كونه لا يملك الخلفية العلمية المؤهلة لاحتلاله أعلى منصب في ليبيريا، لكن بما ان أكثر من نصف السكان في البلاد لا يستطيعون الكتابة ولا حتى القراءة فلن تقف هذه المسألة عائقا امامه وهو يركل الاشاعات بنفس قوة الكرات التي كان يمزق فيها شباك خصومه، وينتفض هنا احد المواطنين مستغربا: انظروا ما فعل بنا المثقفون، لقد دمروا البلاد ونهبوها، لا يمكن لجورج ويا ان يقوم بما هو أسوأ، بما انه غني فلن يسرق البلاد كما اسلافه، سيكون رئيسا صالحا.

 ورغم افتقاده لهذه المؤهلات يملك ويا كاريزما سياسية قربته من الشعب الليبيري، فاقترب من القصر الرئاسي باعماله الخيرية وليس على متن دبابات الانقلابات كما جرت العادة، وعينته منظمة "يونيسف" سفيرا للنوايا الحسنة عام 1997 حيث دعم مرضى الايدز وتأهيل البرامج التعليمية في ليبيربا وغانا ودول اخرى، ولطالما سعى لنزع السلاح في بلاده من بين ايدي المتقاتلين.

 وفي بلد يعتبر فيه ارتداء القمصان من مظاهر الغنى، عمد المشاركون في مؤتمر حزب التغيير الديمقراطي الذي يترأسه ويا الى رسم صورة جورج على ظهورهم مع شعار "خيار الشعب"، فخاطبهم الاخير ممازحا وهو في موكب يضم رتلا طويلا من السيارات: كنت البس الرقم 14 مع المنتخب ورقم 9 مع ميلان، فاذا جمعنا الرقمين تكون النتيجة 23 وها انتم تقتربون من انتخاب الرئيس الـ23 لليبيريا، هذا هو رقم حظي.

 ونذر ويا حياته لمتابعة القضايا الانسانية، ووظف شهرته العالمية في تحسين مستوى عيش الاطفال في بلاده وفي افريقيا، ولايجاد فرص عمل للشبان الذين غرقوا في الحروب الاهلية الطويلة الامد، كيف لا وهو يعرف تماما معنى الفقر كونه ولد في حي "كلارا تاون" المتواضع في العاصمة مونروفيا حيث ربته جدته ايما براون التي يعتبرها مثله الاعلى وهو لم ينس جذوره لغاية الان.

 وكما معظم الاطفال الليبيريين لم يجد جورج الصغير سبيلا لتمضية وقته الا بممارسة كرة القدم حافيا على الطرقات الحصوية حيث تفجرت مواهبه الكروية في وقت مبكر، واستغل ويا موهبته في ذاك الوقت للحصول على منح مدرسية اعتقد انها ستساعده يوما ما في مجتمع لا يعرف سوى القهر والفقر، وبموازاة متابعته للدراسة كان ويا ينتقل من ناد الى آخر ليمثل أبرز الاندية والمنتخب الوطني الليبيري، حيث كان يمارس في نفس الوقت وظيفة تقني هواتف في شركة ليبيريا للاتصالات.

 وهنا وقع جورج في حيرة بين متابعة دروسه أو الاتجاه كليا لاحتراف كرة القدم، فكان له ان اختار الطريق الثاني واحترف مع نادي تونير الكاميروني عام 1987، في موقف مشابه بعد سنوات لاحقة للاميركي تايغر وودز الذي فضل احتراف الغولف على متابعة دروسه في جامعة ستانفورد، ولم يتأخر ويا بالاحتراف في القارة العجوز فاستقدمه المدرب ارسين فينغر الى موناكو الفرنسي حيث لقب بـ"ميستر جورج"، ثم انتقل الى نادي العاصمة باريس سان جرمان قبل توجهه الى نادي ميلان الايطالي حيث ارعب دفاعات الكالتشو بتسديداته القاتلة ثم عبر بحر المانش ليمثل تشلسي ومانشستر سيتي الانجليزيين قبل ان يحط رحاله في نادي الجزيرة الاماراتي حيث انهى مسيرته.

 ووصل ويا الى قمة مستواه عام 1995 عندما حقق لقب افضل لاعب في افريقيا واوروبا والعالم في نفس السنة وحصل عام 2000 على جائزة لاعب القرن في افريقيا، ولم يكن ويا فقط أفضل لاعب في المنتخب الليبيري بل كان ممولا للمنتخب الذي دربه لفترة وجيزة ايضا حيث كان يعسكره مجانا في الفندق الذي يملكه.

 واعتاد الافارقة على الرياضيين السياسيين فعلى سبيل المثال تحول الحارس العاجي في السبعينيات ابراهيما فاني من لاعب كرة الى عمدة "بواكي" ثاني أكبر مدينة في ساحل العاج، وانتقل اللاعب الدولي السنغالي خلال الستينات يوسوفا نداي الى قاض قبل دخوله الحكومة السنغالية عام 2002.

 واشتهر الرئيس الاوغندي عيدي امين دادا بانه كان ملاكما من الطراز الرفيع، كما الرئيس السابق لجنوب افريقيا نلسون مانديلا الذي امتدح ويا ولقبه بـ"فخر افريقيا"، ولا يقتصر هذا النشاط على الرياضيين الافارقة فقط، فحتى في بريطانيا يلعب اللورد سيباستيان كو دورا سياسيا هاما وكان له الفضل في نجاح بريطانيا باستضافة الالعاب الاولمبية عام 2012، وسلك أسطورة الكريكيت الباكستاني عمران خان نفس الطريق واعتنى بمرضى السرطان في الباكستان لكن الحزب الذي أسسه لم يلق نجاحا كبيرا في الانتخابات.

 ايام قليلة تفصل ميستر جورج عن الانتخابات الرئاسية وربما عن لقب صاحب الفخامة.