موفق ملكاوي
مع اقتراب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، يبدأ البيت الأبيض من جديد، بتهيئة مسرح العبث، وبيع الأوهام لدول المنطقة، مستخدما لغة طالما انطلت على كثيرين، يدرج فيها مصطلحات رنانة لا تخطئها الأذن، لكنه يترك تفسيرها له وحده.
ما بين ضمانها أمن إسرائيل وتفوقها العسكري، وموقفها المتردد تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وحربها التجارية مع الصين، وشعور المفكرين السياسيين الأميركيين أن ثمة نظاما عالميا جديدا في طور التشكل بعيدا عن القطبية الأحادية، تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على التحرك إلى الأمام عن طريق الالتفات إلى الخلف، و”تحريك” بعض الملفات التي كانت أهملتها منذ سنوات عديدة، وهي ملفات الشرق الأوسط.
مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان، وبمفردات مفخمة، يعلن أجندة الإدارة الأميركية في هذه الزيارة، فهي تسعى إلى “شرق أوسط أكثر سلاما واستقرارا”، و”منفتحة أقل على الإرهاب”، و”تساعد في ضمان أمن الطاقة في العالم”.
في هذا التصريح، يحاول ساليفان، من خلال مفردتي “السلام” و”الاستقرار” أن يوهم بأن بايدن سيسعى للتقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن يدفع باتجاه عودة المفاوضات. لكن الحقيقة بالنسبة له ولإدارته، تعني التزاما كاملا تجاه أمن إسرائيل وتفوقها، فالسلام في فلسطين، ومسألة حل الدولتين، هي ملفات غائبة عن اهتمام بايدن، حتى أنه، وبخلاف جميع من سبقوه من الرؤساء الأميركيين، لم يقدم، حتى اليوم، مشروعا خاصا بهذا الملف، ويعتقد بأنه لن يفعل شيئا تجاهه، وسيترك الأمور على ما تركها سلفه ترامب.
بالنسبة لمفردة “السلام” أيضا، فهي تعني كبح جماح إيران، وردعها عن مسار التفوق العسكري الذي تخوضه اليوم، ما من شأنه تهديد أمن إسرائيل، وربما دول أخرى في المنطقة، أو تهديد ممرات بحرية تحتاجها واشنطن لضمان تدفق النفط والغاز، وهو الملف الذي يحضر بقوة في هذه الزيارة، خصوصا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتأثر التزويد، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط في العالم.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني يائير لبيد، يكشف عن أجندة الزيارة فيقول “ستتناول التحديات والفرص. مناقشة التحديات ستركز أولا وقبل كل شيء على قضية إيران”، ليستذكر بعدها مقولة للرئيس الأميركي يؤكد فيها أنه “ليس عليك أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا. أنا صهيوني”. ويشدد لبيد على أن بايدن “هو أحد أقرب الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق في السياسة الأميركية”.
أما الحديث عن “الاستقرار”، والإيهام بأن واشنطن مهتمة بأن تحظى دول المنطقة به، فهو من باب “الكياسة الخطابية” للضيف الذي يتحدث أمام مضيفه، خصوصا حين نعرف أن تهديد الاستقرار في دول المنطقة لم يأت أصلا سوى من واشنطن، حين أغرتها محاولة تغيير الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والإطاحة بالعديد من الأنظمة فيها، دون أن تمتلك أي رؤية لما بعد تلك الخطوة، مستلهمة في إدارة ذلك العبث بما يمكن تسميته “الفوضى غير الخلاقة”، والتي أدت إلى مقتل الملايين منذ احتلال العراق، مرورا بليبيا وسورية وغيرها، إضافة إلى نجاحها في تحويل عشرات ملايين المواطنين إلى نازحين ولاجئين.
حديث ساليفان عن “ضرورة إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان” في دول المنطقة، لا يمكن فهرسته إلا من باب “رفع العتب”، وهو خطاب موجه بالضرورة إلى الداخل الأميركي، وإلى المنظمات غير الحكومية التي تدور في فلك السياسة الأميركية في المنطقة، من أجل أن يتبقى لها قليل من ماء الوجه وهي تحمل لواء الدفاع عن “التوجهات الجديدة” لواشنطن!
لعل العنوان الواضح، كذلك، من زيارة بايدن هو سعيه الحثيث لضمان تعويض النفط الروسي من بلدان المنطقة، وهو عنوان يقول الخبراء إنه محكوم بالفشل، خصوصا أن التجارة العالمية تعتمد في كثير منها على استقرار احتياطيات الدول، وعدم العبث بها إرضاء لأي طرف.
إذن، هي جولة جديدة من العبث ومحاولة بيع الأوهام لشعوب المنطقة، سوف تنتهي بلا شك، كما انتهت عشرات الجولات غير المباركة لرؤساء أميركيين لم يحملوا لنا إلا الخسارات، ولعل بوادر الخسارة الجديدة تلوح في الأفق، وهو ما يتسرب عن حلف جديد يضرب بعرض الحائط القليل من الثوابت التي استطاعت الصمود في زمن الهزيمة المخزي.
المقال السابق للكاتب
للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا