جياع بيننا

دفعني الفضول لاكتشاف ما يضمه صندوق الطعام الذي وجدته على مكتبي الأسبوع الماضي. شكله الجذاب، وأدوات الطعام الملصقة عليه، يوحيان أن عليك البدء فورا بأكل ما لذ وطاب مما يحتويه.اضافة اعلان
فتحت ذلك الصندوق الذي شعرت أنه جاء في وقته. لأتفاجأ بورقة في داخله ومكتوب عليها: “اللحظة اللي إنت هلأ حسيتها؟ في ناس كل يوم بتعيشها”!
تكية أم علي هي صاحبة هذه الفكرة والمبادرة التي بعثت برسائل عبر قصص مختلفة تواجدت في الصندوق. كتبت مقدمة لها تقول فيها: “لما ربّ الأسرة ما يقدر يتطلع بعيون ولاده لأنه عاجز ومو قادر يوفر لهم اللقمة.. 63 % من أسر تكية أم علي، رب الأسرة عاجز أو مريض”.
أبو راشد واحد من هؤلاء، رب أسرة عاجز بصريا يعيش مع زوجته وطفليه في بيت متهالك يحتاج الكثير من الترميم، حاول أن يتعايش مع مرضه لكن وجعه كان كبيرا، حينما يطلب منه طفله طعاما معينا، يقف مكتوف الأيدي لا يستطيع تأمين تلك “اللقمة” له.
لكنه، ووسط الظلام الذي يغلف حياته، وجد بصيص أمل حينما وصلت إليه تكية أم علي واستطاعت توفير طرد غذائي شهري له فيه 22 مادة غذائية تكفي لكل أفراد عائلته، واستطاع أن يلمس الفرحة في عيون طفليه وهما يتناولان ما اشتهياه.
مؤثرة هي تلك الكلمات التي خرجت من رحم مبادرة بسيطة لتكية أم علي، تذكرنا بمن هم حولنا ويحتاجون لنلتفت إليهم قليلا، وندرك صعوبة الشعور الذي اختبرناه للحظة، لكنهم يختبرونه كل لحظة! يذكروننا كم نغفل كثيرا عن تلك الفئة الصامتة التي تنتظر يدا حنونة تمتد لها بالمساعدة.
رغم أن الخير فينا، إلا أننا ننسى القيام بواجبنا تجاه محتاج، والمساهمة بسد رمق جوعه، وأن نبحث عمن يجلسون في بيوت تآكلت مع الزمن، وأتعبت ساكنيها من برد الشتاء وحرارة الصيف، بيوت تخلو أحيانا من رغيف خبز، ويجوع فيها أطفال أبرياء.
تكية أم علي، والتي تعتمد 70 % من إيراداتها على التبرعات، تصل لأكثر من 30 ألف أسرة شهريا في جميع المحافظات، أي زهاء 143 ألف فرد، لتغطي 2,3 بالمائة من سكان الأردن، مقدمة الطرود المحتوية على 33 مادة غذائية تكفي احتياجات الأسرة الشهرية.
ويأمل القائمون على التكية أن يكونوا حلقة وصل بين أهل الخير والمحتاجين من مختلف المناطق، في وقت يتجه نحو 5.7 % نحو انعدام الأمن الغذائي، و0.5 % من أسر المملكة غير آمنة غذائيا، وفق تقرير حالة الأمن الغذائي 2013-2014 الصادر في 2016.
التكية ذكرتنا بقصص أسر تعاني من ضنك العيش وصعوبته تزامنا مع يوم الأغذية العالمي، بهدف توعية المجتمع بواقع الجوع ودورها في مكافحته. ذلك ما يدعونا لوقفة حقيقية في وقت تسرقنا به الحياة بأنماطها الجديدة وتنسينا الشعور الإنساني الذي يوحدنا.
عشرات الآلاف من الجياع بيننا، ونحن في أسلوب حياتنا الاستهلاكي نهدر آلاف الأطنان من الأطعمة، وتُتلف مطاعم وفنادق ومولات كميات مهولة من الأغذية، دون أن تفكر أنها قد تساهم في إنقاذ جياع ينامون ومعداتهم خاوية من أي شيء، حتى من إحساس الآخرين بهم.