"جَدعُ الأنفِ للحفاظ على الوجه"!

"لا تُحمّلوا الجيش اللبناني أكثر مما يحتمل"؛ عبارة نسمعها كثيرا، وخاصة عند حدوث اشتباكات أهلية أو طائفية توقع العديد من القتلى والجرحى، وكان آخرها الاشتباكات بين "حزب الله" و"الأحباش" في بيروت، الأمر الذي دفع البعض للدعوة لجعل العاصمة بيروت مدينة منزوعة السلاح، وهو هدف بعيد المنال على المديين القريب والمتوسط، لأنّ الحلول الأمنية في لبنان لا تأتي من دون غطاء سياسي داخلي وخارجي يمنحها صلاحيات التنفيذ، واستلام مقاليد القرار على الأرض.

والحال اليوم أن التوافق السياسي هشّ والاستراتيجية الأمنية الموحدة غائبة، والدولة طرف من الأطراف وليس الطرف الأعلى والأهم والأكثر تأثيرا. وحتى اللحظة ليس هناك قرار داخلي لبناني حقيقي لبناء دولة قوية، أو معالجة انتشار السلاح بين الناس، في ظلّ بلدٍ؛ الطوائفُ فيه ليست مجرد سياق يعبّر عن التنوع، بل إن التنظيم الاجتماعي في لبنان يقوم على الطائفة، بعكس العراق مثلا، الذي برغم كونه مجتمعا متعددا فإن التنظيم الاجتماعي فيه يقوم على العشيرة والعصبيات المدينية.

من هنا فإن إمكانات التوافق السياسي في العراق أوفر حظا منها في لبنان. لكن في الحالتين، فإن غياب الدولة والسلطة المركزية التي تحتكر العنف، وتجبر الأطراف المختلفة على حلّ مشكلاتها مدنيا، هذا الغياب يعني تسييس الطوائف ومن ثم عسكرتها، أيْ أنْ يأخذ التسييس جانبا مسلحا، كما حدث في العراق منذ 2003، والسبب التنازع على السلطة والموارد. وكما يقول عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار، فإن "انهيار دولة القانون، وانهيار بنى التكامل والمشاركة، والنزف المستمر للطبقات الوسطى، هي الحاضنة لاستمرار وإحياء الطائفية السياسية، وهي جزء من فشل الحضارة العربية - الاسلامية في بناء الأمة الحديثة".

اليوم يدور جدل حول مساعدات للجيش اللبناني. وهذا الجدل تجدد بعد تهديد نواب أميركيين بقطع المساعدات العسكرية عن الجيش، بحجة انّ مثل تلك الأسلحة قد تصل إلى يد حزب الله، وذلك، حسب الأميركيين، لأن له نفوذا في الحكومة اللبنانية، ولأن الخطوط بين الحزب والجيش غير واضحة. وهذا الموقف الأميركي جعل السيد حسن نصر الله يدعو الحكومة اللبنانية لأنْ تطلب من إيران تسليح الجيش، وقد أبدت إيران استعدادا لذلك. لكنّ أبجديات السياسة تقول إن منْ يسلّح يمتلك نفوذا على من يطلب التسليح، ومن هنا ينتقد الكثيرون موقف واشنطن تجاه حليف لها هو لبنان، وتُجرى المقارنات بين ما تفعله إيران لحلفائها وبين ما تفعله واشنطن لحلفائها، والعقبة أمام أميركا هنا هي إسرائيل كما هو مفهوم.

وقد نقلت "نيويورك تايمز" عن الباحث اللبناني بول سالم، مدير "مركز كارنيجي" ـ الشرق الأوسط / بيروت قوله: "هل نضعف الجيش اللبناني ونترك الدولة في يد "حزب الله"؟ إنّ هذا، يتابع سالم، "سيكون أشبه بمَنْ يجدعُ الأنفَ ليحافظ على الوجه".

اضافة اعلان

"العامل الإسرائيلي" يجعل الخارجية الأميركية في واد والكونغرس في واد آخر، ففي الوقت الذي دعت فيه النائبة الأميركية ايليانا روس - ليتنن العضو في لجنة الشؤون الخارجية قبل أيام فرنسا الى عدم بيع قذائف مضادة للدروع إلى لبنان، بحجة أنها يمكن أن تستخدم ضد اسرائيل، نظرا "لنفوذ حزب الله" داخل الحكومة ، نجد أنّ الخارجية الأميركية تدافع عن المساعدات للجيش، قائلة إن وجود الجيش في الجنوب اللبناني يساعد على استقرار الدولة، وسحب المساعدات قد يخلق فراغا خطيرا. وإلى جانب العامل الإسرائيلي، الذي يفسر صعوبة الخيار الأميركي، تلفت "نيويورك تايمز" إلى عودة النفوذ السوري في لبنان والضعف النسبي للفصائل السياسية الحليفة للغرب. أما الدرس الذي تسديه الصحيفة لواشنطن فهو: "إن الوقائع على الأرض غالبا ما تتطلب تسويات صعبة قد تبدو من وجهة نظر واشنطن كتنازلات خطرة للعدو".

[email protected]