
تعتبر دمشق من المدن الغنية بموروثاتها التاريخية نظرا لما تزخر به من قلاع وحصون وحارات قديمة لا تزال تحتفظ لغاية الآن بكل تفاصيلها الدقيقة مما يجعلها قبلة للسياح الذين يقفون مشدوهين لعظمة معالمها الاثرية وحاراتها التي يعود تاريخها إلى مئات السنين.
ومن يزور الحارات القديمة بمنطقة “باب توما” على سبيل المثال يقف متأملا لإرثها العريق وامتدادها الفسيح وبيوتها المتراصة التي تخترقها الطرقات الضيقة والأزقة الصغيرة لتشعره بالعودة لمرحلة من مراحل تاريخ الإنسان السوري.
وما يشدك عند دخولك الى حارات “باب توما” هو انك ترى قرية متكاملة بكل معالمها ومداخلها وطرقاتها الطويلة الضيقة الملتوية ومبانيها الطينية القديمة الرائعة الجمال وما يخيم عليها من هدوء يعطيك شعورا بالطمأنينة والامان.
وتشهد هذه الحارات حركة كثيفة في عدد السياح الذين يحرصون على التأمل في تصميمها المعماري القديم الذي تتميز به هذه على الرغم من التوسع العمراني الكبير الذي شهدته دمشق لتظل تلك الابنية القديمة على حالها عدا طابع الترميم الذي طالها وليس التجديد او التوسيع بغية الحفاظ على أرثها العريق.
ويلاحظ كذلك ان الحارة روعي في تخطيطها أن تدخل جميع الخدمات ضمن محيطها مثل المخابز والمياه وغيرهما من الخدمات المهمة في حياة السكان بالحارة ، ونظرا لأهميتها لكونها احد النماذج المتكاملة اصبحت أحد المعالم السياحية التي تنظم اليها الرحلات والأفواج السياحية.
ويقع باب توما في الجهة الشمالية من سور دمشق وهو في الأصل باب روماني نسب لأحد عظمائهم واسمه (توما) وتسميه العرب (توماء) وكانت عنده كنيسة حولت إلى مسجد فيما بعد كما ارتفعت فوقه مئذنة على غرار مئذنة الباب الشرقي.
وجدد الباب كبقية ابواب دمشق في العهد الايوبي لتحصين المدينة ابان الحروب الصليبية في القرن الـ13 الميلادي ايام الملك داود بن عيسى الايوبي سنة (625 هـ / 1227 م) ثم رممه نائب السلطنة تنكز وازيل المسجد الذي كان عنده اثناء تنظيم المنطقة في بدايات العهد الفرنسي وبقيت المئذنة الى أن ازالها المهندس ايكوشار في الثلاثينيات من هذا القرن قبيل الحرب العالمية الثانية بسنوات.
ويقول فارس حنا وهو احد سكان حارة الدحلانية في باب توما ان السياح لاسيما الاجانب منهم يتوقون لزيارة الحارات الدمشقية القديمة لما تضمه من معالم ومزارات سياحية تجعل منها قبلة مهمة لهم.
واضاف ان بيوت الحارة لم تتأثر بالتطور العمراني وهذا ما يشد السياح الذين يعيشون لحظات جميلة فيها لاسيما عندما يستمعون إلى حكايات و قصص قديمة شهدتها الحارة. وقال ان المسؤولين في سورية حرصوا على عدم السماح بتنوع البناء الحديث في هذه الحارات وبقى محصورا بالطراز الذي كان منتشرا في ذلك الزمن والذي تميز بطابع البناء الشرقي مع بعض التعديلات التي تفرضها الظروف المناخية كاستعمال الخشب والقرميد إلى جانب الحجر.
وذكر ان الحارات في باب توما توجد بها مزارات سياحية مثل الكنائس والمدارس والكنيس والحمامات والخانات والملاجئ اضافة الى اماكن اثرية وحدائق. وتحتوي المنطقة على حارات صغيرة مثل حارات الدحلانية وزقاق الجورة وجادة باب توما ومطعم حارتنا والعازرية والقشلة والقيشاني وهي حارات يكتشف المتأمل في تصاميم بيوتها البسيطة انه روعي في تصميم بنائها دخول الاضاءة والتهوية اضافة الى التقسيمات الداخلية الصغيرة.
وأول ما يلفت النظر في حارات دمشق القديمة ان الحياة في هذه الاحياء كانت شبه مغلقة على اهلها حيث كان الناس يعرفون بعضهم بعضا ويعرفون الولد والصهر والحفيد والنسيب والغريب المار بالصدفة.
وتتميز الاحياء القديمة بتعرج أزقتها وضيقها احيانا وهو ما يستغربه المرء لان اهل دمشق عرفوا بـ”ملكة الفكر الهندسي”. ويقول أهل الحارات أن اسباب ذلك تعود الى أمرين اولهما أمني بحيث يسهل الدفاع عن الازقة اذا هوجمت ولا يرى المهاجم الطريق حتى آخره ولا من يكمن له في المنعطف. والسبب الاخر اجتماعي لان النساء يخرجن في النهار من بيت إلى بيت مجاور او مقابل من دون ان يراهن احد لان الازقة متعرجة تحجب الرؤية من بعيد موضحا انه كان من عادة اهل دمشق ان السائر في زقاق ضيق او حارة يجب ان يعلن عن قدومه بأن يظل يقول بصوت عال ( يا الله .. يا ستار) فتحس به سيدات البيوت ويغلقن الابواب.
وعلى الرغم من التوسع العمراني الكبير الذي شهدته دمشق ظلت الابنية القديمة على حالها وسمح فقط بعمليات الترميم والبناء وفقا للطراز المعماري القديم وذلك استجابة لمتطلبات الظروف المعيشية التي سمحت بوجود فسحة متوسطة للدار الى جانب وضع لمسات عربية واسلامية كالاقواس والكتابات المنقوشة