حاصر حصارك.. إنها الخليل فلن تركع

إنها الخليل، درة المدن وعبق التاريخ.. المدينة الرابعة الأقدم المأهولة في البشرية، إنها الخليل ترفض الاحتلال وتلقنه يوميا درسا في الدفاع عن الوطن، إنها الخليل، لا تركع، يحاصرونها فلا تركع، يهدمون منازل أبطالها فلا تركع، يقطعون عنها الماء والكهرباء فلا تركع، يجرفون، فتعيد زرع بدل دالية العنب دوالي وبدل شجرة الزيتون شجرات، وتحبل نساؤها فتلد بدل المعتقل أبطالا جددا، وبدل الشهداء مشاريع شهداء جددا ولا تركع.اضافة اعلان
إنها الخليل.. فلو استحضرتم غُرة جيوشكم الغازية، وأغلقتم كل المنافذ إليها، سيخرج عليكم مقاوم من قلبها من ريفها من شمالها من جنوبها من شرقها من غربها ليشتت جمعكم، يذكركم أن في الخليل شعبا لا يستكين، ولا ينسى أنّ له ارضا يريدها، وزيتونة زرعها أجداده قبل مئات السنين يريد أن يسقيها، وحجرا بناه سلفه الأول قبل عشرات آلاف السنين يريد أن يحافظ عليه، وستجدون شيخا طاعنا في السن يقول لكم بلكنته الخليلية الجميلة بعد أن يشبعكم شباب البلد ضربا بالحجارة و"المولتوف" وأحيانا طعنا بالخناجر والسكاكين، "بهمش"، فهذا العجوز يعرف أن صبايا مدينته وقراها كشبابها يطعنون بالسكاكين ولا يهابون، يهابهم المحتل لأنه يعرف أن في جوف كل واحد منهم قلبا لا يرتجف، ويقينا لا تضيع بوصلته ومقاومة لم تفتر يوما رغم أن البعض القريب والبعيد أراد لكل مقاومات الشعب الفلسطيني أن تنطفئ نارها ويخبو بريقها ولكن هيهات ففي فلسطين وفي الخليل هناك نساء تلد أبطالا مقاومين يرفضون عيشة المحتل، ويحبطون مؤامرات القريب قبل البعيد، ويؤمنون يقينا أن في بلدهم محتلا يجب أن يخرج ويكنس، فهم لا يقفون عند كيف جاء الاحتلال ولماذا حصل، وحكاية الجيوش العربية المنهزمة في الخامس من حزيران، وكيف استطاعت دولة وليدة وكيان مصطنع دحر خمسة جيوش عربية في 6 ساعات، كما لا يقفون عند حكايات أخرى كثيرة، فحكايتهم الأبدية اليومية الوحيدة كنس الاحتلال بيدهم، وقيام دولتهم المستقلة، وأن يرفرف علمها.
ليست وحدها الخليل من تقاوم ففي القدس مقاومة يومية، وفي غزة ورام الله ونابلس وغيرها وغيرها، ولكننا نستحضر الخليل لأن الكيان الغازي يمارس هذه الأيام فيها أبشع جرائم نازيته، يحاصر شعبا كاملا ويجوّع أطفالا ويمنع عنهم الماء والكهرباء من خلال عدم توريد المخصصات المالية للسلطة، والمجتمع الدولي عاجز كالعادة صامت، والأمة الإسلامية ما تزال تبحث عن الإجابة التي سألها البعض لشيخ الإسلام العز بن عبدالسلام يوما، عندما ذهب يستنهض الأمة على غزو المغول والتتار بعد أن احرقوا بغداد وباتوا قريبين من دمشق، فقال وجدت أمة تبحث وتسأل إن كانت الصلاة تجوز على سجادة مصنوعة من جلد البرغوث أم لا، فيما التتار على مشارف دمشق، وهذه حال الأمة الإسلامية العربية اليوم همهم الأساس تفريق الشيعي عن السني وتعزيز الطائفية والاثنية والعرقية، وإعادة نبش تاريخ معركة الجمل وصفين والجدل فيما إن كان الشيعة على حق أم السنة، وان كانت تجوز الصلاة واليد مفتوحة أو اليد اليمين فوق اليسار.
في الخليل مقاومون يعرفون أن لهم حقا يريدون استرجاعه لا يهمهم حقوق الإنسان ولا الرباعية الدولية ولا الأمم المتحدة التي تقف عاجزة عن إجبار إسرائيل على الرحيل عن ارض تعتبر محتلة بحسب كل القرارات الدولية، ويقف العالم بأسره عاجزا عن إقناع الكيان الصهيوني بإعادة الأرض لأصحابها وإنهاء آخر استعمار على وجه البسيطة.
إنها الخليل التي يسكنها زهاء ربع مليون فلسطيني وتعيش هذه الأيام حصارا صهيونيا فاشستيا قاسيا، وغلقا لكل منافذ المدنية وقراها وحواجز سدت كل الوصلات وانتشار لكتيبتي مشاة على الأرض، إنها الخليل التي تطعن ولا تهتم، تقاوم ولا تخضع تحاصر ولا تركع.