حالة الاستقطاب الأردني

تجلى بوضوح الاستقطاب السياسي في مجتمعات عربية عديدة بفعل التحولات السياسية الاخيرة، وأصبح ظاهرة سياسية أخذت أحيانا أشكالا قاسية من العنف المتبادل. ثمة أحداث وتحولات بطيئة تستدعي مراجعة حالة الاستقطاب في المجتمع الأردني خلال السنوات الأخيرة للإجابة بوضوح عن أسئلة من قبيل: هل ثمة حالة استقطاب بالمفهوم السياسي والاجتماعي يشهدها المجتمع الأردني؟  هل يتعمق هذا الاستقطاب أم يتراجع؟ وما هي أهم الأطروحات التي يدور حولها؟ وما العوامل والمحركات التي تهيّج حالة الاستقطاب وتحركها؟

اضافة اعلان

علينا الانتباه إلى أن ظاهرة الاستقطاب السياسي والاجتماعي والثقافي التي تعاني منها مجتمعات عربية اليوم كانت موجودة سابقا ولكن طبيعة الأنظمة السياسية خلقت ثقافة تستّر كانت تمنع التعبير عنها، وبعض ظواهر الاستقطاب تم إنتاجها وتصنيعها في سياق التحولات السياسية الجديدة. أردنيا تعود ظاهرة الاستقطاب السياسي في جذورها الى مطلع السبعينيات.

 وبقيت هذه الحساسية مسطرة لموجات من الاستقطاب السياسي التي طالما أعاقت التكامل السياسي والاندماج السياسي داخل الدولة الوطنية. على كل الأحوال حافظ الاستقطاب السياسي والاجتماعي على حد معقول من التفاعل الداخلي، في بعض مظاهره كان صحيا وعبر عن حيوية اجتماعية وسياسية على مدى اربعة عقود.

لكن، هل بقي الاستقطاب السياسي والاجتماعي يدور في دائرة تقليدية أم ظهرت دوائر جديدة؟ وحتى الدائرة التقليدية هل لحقت بها تطورات جديدة، نسمع ونقرأ يوميا تعبيرات تعكس هذه الحالة وتحولاتها، وهنا نرصد ثلاثة تحولات جديدة، أولا: تحولات داخل حالة الاستقطاب التقليدية حيث تثبت المعطيات أن حالة الاستقطاب حول أطروحة العلاقات التقليدية الداخلية هي استقطاب نخبوي من الدرجة الأولى ولم تعد خلال السنوات الاخيرة تعكس عمقا اجتماعيا حقيقيا، حيث قاد الانفتاح السياسي النسبي إلى تغير بعض قواعد اللعبة السياسية المحلية، ما جعل العديد من النخب بمختلف مرجعياتها الفكرية والسياسية والثقافية تجد في الإعلام مساحة واسعة لإبراز القدرات وتحقيق المكانة ولفت الانتباه من خلال العودة باستمرار لحالة الاستقطاب. ثانيا: أوصلت وسائل الإعلام الجديدة حالة الاستقطاب التقليدية الى أوجها، من خلال المغالاة في التأكيد والتكرار وإبراز أحداث ذات مساس بمسألة الهوية والمواطنة ومترادفاتهما، قد لا تستحق الأهمية والحضور الذي تمارسه وسائل الإعلام بالمقارنة مع مجتمعات أخرى، أو عرض الوقائع بطرق توحي ضمنا بحالة من الإعجاب أو الرضا الذي قد يستفز أطرافا أخرى، او ترسيخ صور نمطية مسبقة وتستعيدها في أوقات الأزمات؛ ما يخلق حالة من الخوف والشك والقلق، وهي صور قد لا يكون لها أساس من الصحة. 

ثالثا: برزت دوائرجديدة يدور حولها الاستقطاب السياسي والاجتماعي، قد تتقاطع تماما مع خطوط التقسيم التقليدية. نجد على سبيل المثال الاستقطاب النخبوي حول الموقف من المشروع النووي أو الاستقطاب حول الموقف من تحولات الربيع العربي وصولا الى عشرات الأمثلة، آخرها الانقسام حول قرار منع الأرجيلة في المقاهي. رابعا: بروز أنوية أولية لأشكال من التوافق الوطني التي ما تزال على شكل براعم في تعبيرات النخب التي طالما أدارت الانقسام  حول مصادر التهديد والخطر الخارجي، مقابل تنامي ظاهرة تشويه وتتفيه بعض المخاطر ومصادر التهديد من نخب أخرى، وتستخدم ادوات الاستقطاب التقليدية ذاتها بحثا عن تصنيع الشعبية. حان الوقت الذي نحتاج فيه إلى قراءة علمية واضحة عن تحولات ظاهرة الاستقطاب في المجتمع الأردني.