حالة المتعطلين المفرج عنهم من السجون

واحدة من المسائل التي لم تجد مناقشة وطنية مسؤولة حولها في حالة الباحثين عن العمل مسألة أولئك الذين نالهم العفو العام مؤخرا وخرجوا من السجون، ولديهم قيود أمنية قد تعيق فرص حصولهم على عمل شريف يمنع عودتهم مرة أخرى للسجون، وحسب العديد من المصادر أن جزءا من المشاركين في الاحتجاجات والاعتصامات الأخيرة هم من هذه الفئة. اضافة اعلان
علينا التحلي بالوضوح الأخلاقي والوطني في هذه المسألة، فهؤلاء الشباب هم جزء من هذا المجتمع ودفعت بهم ظروفهم وأخطاؤهم إلى تجاوز القانون وحكم عليهم بالسجن، وخرجوا من السجون بموجب القانون أيضا، ولسان حالهم يقول ما دام أنهم حصلوا على العفو عن جرائم ارتكبت بحق المجتمع وهذا امر كبير، ما الذي يمنع ان تفتح بوجوههم الأبواب للحصول على عمل يمنعهم من العودة إلى السلوك الشاذ.
رغم أن هناك العديد من قادة الرأي لا يؤيدون إصدار العفو ولاموا الحكومة التي جاءت ببرنامج أحد مرتكزاته دولة القانون حينما نسبت بإصدار قانون العفو العام، فقد وصلت حالة مراكز الإصلاح والتأهيل إلى درجة تذمر بعض القادة الأمنيين من زيادة أعداد النزلاء التي تجاوزت المعدلات الطبيعية، فقد تجاوز نزلاء السجون 115 % من الطاقة الاستيعابية المفترضة؛ فقد كان هناك قبل العفو نحو 14 الف سجين في 17 مركز إصلاح وتأهيل من المفترض أن طاقتها الاستعابية 12 الف سجين، بينما تتحدث الأرقام الرسمية أن السجين يكلف الخزينة 750 دينارا شهريا، وبحسبة بسيطة فإن السجون وإذا ما أضيف إليها مراكز التوقيف تكلف الخزينة العامة عشرات الملايين وهو رقم كبير جدا على اقتصاد صغير، فيما لا تتلقى 10 جامعات حكومية سوى نحو 70 مليون دينار سنويا. في المقابل جاء في التقرير الوطني لحقوق الانسان للعام 2016 الذي أعلنه المركز الوطني لحقوق الإنسان الاسبوع الماضي أن الأردن شهد ارتفاعا بأعداد الموقوفين الإداريين ليصل إلى (30138) شخصاً.
هناك العديد من الاقتراحات التي قد تسهم في الخروج من هذا المأزق المتكرر، من بينها استبدال شهادة عدم المحكومية التي تعد شرطا للعمل، بشهادة إعادة تأهيل تسمح للمفرج عنه بالعمل وتسحب منه في حالة ارتكاب اي مخالفة ضمن شروط واضحة، كما هو الحال بضرورة تطوير برامج تأهيل مهني للمحكوم عليهم اثناء فترة السجن تتلاءم مع ظروفهم ومع حاجات سوق العمل، حيث تشير بعض الارقام إلى أن 21 % فقط من السجناء يتلقون التدريب والتأهيل خلال فترة سجنهم.
يبدو أحيانا أن بعض القادة الأمنيين لديهم منظور إصلاحي أكثر عمقا مما تطرحة وتمارسه نخب سياسية وتشريعية في سلطات أخرى، فقد سمعنا مؤخرا عن دعوات إلى "تطبيق العقوبات البديلة، بما فيها السوار الإلكتروني بديلا عن تطبيق عقوبة الحبس في بعض القضايا، وذلك للتخفيف من عبء مشكلة الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل". هذا منظور إصلاحي باتت العديد من دول العالم تتبعه من خلال استراتيجيات تتبع قيام الاشخاص المحكومين في بعض القضايا بتقديم خدمة عامة للمجتمع بدل المدة التي يفترض ان يقضيها في السجن مع توفير اجراءات صارمة تضمن تنفيذها. المهم اليوم مصير من يخرجون من السجون سواء اولئك الذين أنهوا فترة محكوميتهم او المفرج عنهم بموجب العفو العام.
المسألة تبدو خطيرة وتبرز بوضوح في احتجاجات المتعطلين الأخيرة، وهناك معضلة قانونية يجب ان تحل بمسؤولية وبوضوح سياسي وتشريعي، فإغلاق الأبواب أمام هذه الفئة يعني عودتهم مرة اخرى لتجاوز القانون بل توريث الجرائم في أسرهم.