حدود العدالة وسيادة القانون

يتطلب تعزيز الثقة بالقضاء وإجراءات التقاضي والتنفيذ القضائي أن يسري القانون وتعليمات تنفيذه على الجميع بشكل عادل يضمن المساواة بين المتقاضين بغض النظر عن فقرهم وغناهم ودينهم وعرقهم ونسلهم وتعليمهم وجهلهم واعتقادهم الفكري أو السياسي. هذا ما كفله الدستور وهو العقد الاجتماعي والسياسي الأسمى بين الأردنيين ودولتهم وهو ليس منة من أحد على أحد، لا من المواطنين على الدولة ولا العكس. وهذا هو عماد بناء الثقة بين المواطنين ودولتهم ومؤسساتها المدنية بما فيها السلطة القضائية وأذرعها التنفيذية.اضافة اعلان
تَمنعُ دولة القانون والمؤسسات والعدالة واحترام الإنسان والمواطن التعديات السياسية على القضاء وإجراءات تنفيذه وتعتبر هذه التعديات غير مقبولة لأسباب عديدة أهمها إضعاف ثقة المواطنين بجهاز القضاء الذي ينبغي أن يثق به الناس كما يثقون بالمؤسسات العسكرية والأمنية ومهنيتها واحترافيتها. بينما تصل معدلات الثقة بالمؤسسات الأمنية والعسكرية نحو 90 % ( مثلا بالجبش العربي ثقة كبيرة جدا 79 %، وثقة كبيرة 16 %)، نجدها في الجهاز القضائي نحو 50 % ثقة كبيرة جداً، 28 % ثقة كبيرة. وهي أفضل بكثير من الثقة بالحكومة، ودولة الرئيس ومجلس النواب والأحزاب والشركات والبنوك الخاصة والبنك المركزي والتربية والتعليم والجامعات الحكومية والخاصة حسب نتائج المسح العالمي للقيم للعام 2018 الذي نفذته نماء للاستشارات الاستراتيجية في الأردن وعدد من البلدان العربية.
وبما أن العدل هو أساس المُلك وهو أساس المواطنة. ينبغي أن يتم التعامل مع محاولات تسييس بعض القضايا المدنية من حقوقية وجزائية ونشر بجدية منقطعة النظير للحفاظ على مستويات الثقة الحالية بالجهاز القضائي وتعزيزها في ظل الضغوط الاقتصادية التي يُعاني منها الناس وتتسبب باحتقانات اجتماعية وسياسية تنتهي بالمحاكم. إحساس المواطن بعدالة الجهاز القضائي يُساهم في عدم خروج هذه الاحتقانات عن مساراتها الطبيعية.
ضعف الإدراك السياسي لدى بعض القائمين على العمل العام في الحكومة ومؤسساتها لا يعفي هؤلاء من مسؤولياتهم الدستورية والقانونية والاخلاقية والمجتمعية أمام دافعي الضرائب الذين يتوقعون من هؤلاء أن يكونوا قيّمين مخلصين على مصالح الوطن والمواطن بلا حسابات شخصية ضيقة ومناكفات تضر بالعلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. الأردن لجميع مواطنيه على تنوعهم وإختلافهم ويجب أن يبقى كذلك بأكبر قدر ممكن من العدالة وأقل قدر ممكن من التحيز.
الاستمرار بإضعاف المؤسسات الحكومية المدنية، سواء كان مقصودا، أم عن جهل وقلة معرفة وهو ما أرجحه، بأعين الرأي العام لا يخدم مصالح المواطنين ولا مصالح الدولة على أي مدى وبأي شكل. لذلك، فالجميع مدعو للحفاظ على صورة مؤسسات الدولة ومكانتها وهيبتها النابعة من الاحترم والعدل وليس الإكراه والتجبّر والإنكار، وهذا يبدأ بوقف المحاباة والتمييز.