حرب إقليمية.. عن سابق تصميم

لا يغير شيئاً في النتيجة النهائية ثبوت انسحاب الجيش العراقي من الحدود مع السعودية، من عدمه. فمن ناحية أولى، تتواتر اعترافات كثير من المتورطين في صنع السياسة العراقية في عهد نوري المالكي، من الأميركيين وسواهم، بفساد وعدم كفاءة قادة هذا الجيش الذين تم تعيينهم على أساس الولاء الشخصي للمالكي، وبالتالي انعدام الروح المعنوية لجنودهم، حد خلع الزي العسكري في المعارك، ناهيك عن التخلي عن الأسلحة والآليات. وهو ما يعني أن بقاء هذا الجيش بكامل عتاده إلى حين وصول الفصائل المسلحة، لاسيما تنظيم "داعش" وأشباهه، هو الخطر الأكبر الذي يتهدد دول الجوار.اضافة اعلان
والحقيقة، من ناحية أخرى، أن إخلاء المناطق الحدودية بين العراق ودول الجوار غير المتعاطفة مع حكومة المالكي، يجب أن يكون عملية متوقعة، عاجلاً وليس آجلاً، وبشكل اختياري مقصود، بهدف استدراج دول الجوار هذه إلى معركته، طالما أن "داعش" يمثل تهديداً للجميع. ومن ثم، ففيما تضطر دول الجوار كرهاً إلى حراسة الحدود منفردة مع العراق، يفرّغ رئيس الوزراء العراقي جيشه للقضاء على خصومه من غير "داعش" خصوصاً، بما يعزز فقط قوة هذا الأخير، كما يثبت اليوم بالدليل القاطع في العراق وسورية على حد سواء.
لكن ذلك ليس إلا الجانب الأقل استثارة للقلق والمخاوف من المخاطر العابرة للحدود المتأتية من العراق (وسورية). فمع إقرار الأميركيين الذين أنفقوا مئات ملايين الدولارات على الجيش العراقي "الجديد"، بعدم قدرته منفرداً على سحق "داعش"، ناهيك عن الثورة السنية ككل، تبرز بدهياً الحاجة إلى قوات أجنبية تشارك في المهمة. هنا، يبدو المرشح الأول حتماً هو إيران وميليشياتها التي باتت تضم حتى مواطنين أفغانا مرتزقة، كما تؤكد تقارير إعلامية غربية، عبر تضليلهم بمزاعم حماية الأماكن الشيعية المقدسة (في سورية تحديداً). وفي هذا السياق لا بد أن يكون السؤال: هل تستطيع إيران خوض حرب استنزاف على جبهتين على الأقل، لاسيما أن تدخلها في العراق سيكون قتالياً مباشراً، وليس عبر وكلاء (وأموال وأسلحة) كما هي الحالة في سورية التي زج فيها حزب الله بعناصره بأوامر إيرانية؟
هنا قد يبدو الحل، إيرانياً تحديداً، في تعميم ظاهرة "داعش" عربياً على وجه الخصوص، لتغدو خطراً إقليمياً، ودولياً بالتالي، عبر نقلها بطريق أو أخرى إلى خارج العراق وسورية؛ لاسيما مع ثبوت العلاقات الوطيدة، اختراقاً على الأقل، بين نظام الأسد و"داعش" خصوصاً، وبين إيران و"القاعدة" عموماً. وعند هذا الحد سيكون متوقعاً تماماً استدراج تدخل دولي يعفي إيران من تحمل عبء حماية حلفائها وحدها، كما ستصرف هكذا أزمة النظر، ولو مرحلياً، عن سياسات هؤلاء الحلفاء الاستبدادية والطائفية المسؤولة أولاً وقبل أي عامل آخر عن الوضع الذي آل إليه العراق وسورية، وضمنه بروز التطرف والانقسام الطائفي.
أما إذا لم يتحقق هذا السيناريو، فسيكفي إيران وأتباعها معاقبة الرافضين لهيمنتها في المنطقة، وإدخالهم معها في حرب الاستنزاف هذه؛ والتي تظل إيران حتى الآن أقل الخاسرين فيها، طالما أن الضحايا، سنة كانوا أم شيعة، يظلون دائماً عرباً.