حرب الغوطة.. تحرير أم إذلال!

بعد أسابيع من القصف البربري الذي لا يفرّق بين طفل وكبير، ما أدى إلى استشهاد مئات المدنيين، عمد جيش الأسد (بمساندة من حلفائه) في "اجتياحه البري" للغوطة الشرقية إلى سياسة "الأرض المحروقة" (وهي استراتيجية روسية معروفة)، ما دفع بالسكّان إلى الهروب نحو وسط الغوطة، والمسلّحين المعارضين بالتراجع إلى الوراء. اضافة اعلان
في المحصلة أصبح قرابة نصف مليون إنسان – أغلبهم من المدنيين- في الغوطة تحت القصف العنيف، ووسط النيران، وما يقال عن ممرات آمنة أو مساعدات إنسانية، هي مجرّد بروباجندا إعلامية، لتبرير النوم العميق لضمير المجتمع الدولي ولصمته، ولتخاذل الدول الكبرى والعربية والدول الإقليمية.
أمّا الثرثرة الأوروبية والأميركية عن ضغوط على إيران وروسيا لوقف عملية الإبادة التي يقوم بها الأسد، بحق السكّان المدنيين، فهي مجرد كلام فارغ، فليس لدى دونالد ترامب ولا الأوروبيين تصوّر بديل وخطة أخرى، فالمشروع الروسي- الإيراني- الأسدّي هو الناجع والفاعل في سورية.
بالنتيجة، الهدف هو استعادة الغوطة، وسوف يتم ذلك عاجلاً أم آجلاً، لأنّ الحل السياسي متعطل، ولأنّ المعارضة المسلّحة أصبحت بلا متاريس أو دعامات، وما حدث في حلب سابقاً، أو حتى في المدن التي كان يسيطر عليها داعش، مثل الموصل والرقّة، يؤكّدان أنّ سياسة الحصار والأرض المحروقة ستنجح في النهاية، لكن بكلفة إنسانية باهظة!
لماذا لا يخرج الناس من الغوطة؟ لأنّه لا توجد أي ضمانات إنسانية أو قانونية أو أخلاقية، ولا توجد أي جهة يمكن أن تعتني بهم، فهم يقعون بين أنياب النظام، الذي سيستمر في معاقبتهم بعد الخروج، ولأنّه لا يوجد ضمانات قبل ذلك للممرات الآمنة، ولأنّهم – في نهاية اليوم- أهل وأقرباء وعائلات المسلّحين من المعارضة في جيش الإسلام أو فيلق الرحمن أو الفصائل المحلية الأخرى، التي تختلف في طبيعتها عن داعش بأنّها تنتمي إلى المجتمع المحلي في تلك المنطقة.
"حرب الغوطة" تلخّص المأساة السورية، فالحلفاء والأصدقاء الكاذبون المخادعون، في المنطقة والعالم، تخلّوا عن المقاتلين المسلّحين، والمصالح تلعب الدور الأكبر، والأهم من هذا وذاك أنّ هذه الحرب تثبت بأنّ إيران هي الرقم الأصعب والصحيح فيما يحدث في سورية والعراق، وأنّ قاسم سليماني هو صاحب القرار، وأنّ المصالح الروسية- الإيرانية ما تزال صلبة عصية عن التفكك، طالما أنّ الأهداف مشتركة والخصوم – الدوليين والإقليميين- مخاتلون، وغير عابئين.
على صعيد الأمن الوطني الأردني، فإنّ تطورات الغوطة مهمة، لأنّها عاجلاً أم آجلاً ستنعكس على الأوضاع في درعا، سواء كان هنالك "مخرج عسكري"، يؤدي إلى انتقال نسبة من المقاتلين إلى المناطق الجنوبية، أو صراع مسلّح يدفعهم إلى مناطق البادية والجنوب بعد الخروج، ثم يستمر جيش الأسد مع إيران باستكمال السيطرة على المناطق الجنوبية.
إلى الآن هدنة درعا صامدة، وتمثّل حالة استثنائية، بتوافقات أميركية- روسية، لكن العامل الأهم فيها هو العامل الأردني، لما يمتلكه الملك من علاقات خاصة بالقوتين الكبريين، لكن الإيرانيين والسوريين لا يشاركون الروس موقفهم في الجنوب السوري، ومع استعادة درعا والإمساك بالحدود مع الأردن.
لو كان هنالك فعلاً توافق وطني أو مشروع وطني سوري يقف وراء المعركة في الغوطة لقلنا إنّ هنالك شبهة بأن تكون حرب تحرير، لكن المشروع وراءها إقليمي، والقرار إقليمي، والمسحة طائفية، والمقاتلين من السكّان المحليين، والتخيير بين الفتك والإذلال والتشريد والتدمير، والأطفال والمدنيون هم من يدفعون الكلفة الكبرى!