حرب النساء الباردات!

معها حق الشقيقة الصغرى لصديقة لي، ذات الثلاثين عاما أن تقرر الاعتكاف في منزلها بعيدا عن كافة المناسبات الاجتماعية التي تدعى إليها. أقول معها حق بالنسبة للمعطيات التي طرحتها بخصوص فقر أدوات المواجهة اللازمة لمثل فتاة في عمرها للأسف لم تنل نصيبها من التعليم، وبالضرورة لا تعمل خارج المنزل، والأهم أنها أصبحت في عداد المتأخرات عن الزواج، حسب تقسيم اجتماعي سخيف وضعته شروط وأعراف مجتمعية، فاتتها قطارات  التحضر والمعرفة والمدنية.اضافة اعلان
 وعندما نتحدث عن المواجهة اللازمة، فالمقصود منها أساسا أسئلة المتطفلات الظريفات حول سبب تأخر الزواج، وعدم الارتباط بابن الحلال الذي سيسترها على وجه الأرض فور أن تصبح على ذمته، على اعتبار أنها في منزل أهلها يعتبر موضوع الستر هذا، مشكوكا فيه. وبناء عليه فإن الستر في بيت الزوجية لا جدال عليه!
وبالقياس هناك امرأة أخرى لا تلبي دعوات الإفطار في شهر الرحمة، عند من لا يملكن في صدورهن ذرة رحمة، حسب تعبيرها، يتلذذن في تشريح علاقتها الزوجية الفاشلة التي انتهت إلى الطلاق، تحت عنوان التأييد والمؤازرة، منتهكات خلال حملة التأييد تلك أسرارها الزوجية، وحياتها الشخصية بكل ما أوتين من فطنة التحليل وبداهة البناء وسرعة الاستنتاج!
ومثلها التي كلما قدمت فنجان قهوة سمعت “بعوضك”، لتذكرها النساء الجميلات الموهومات بأمومتهن الكاملة المتكاملة، أنها لم تنضم لحزب الأمومة بعد. وكأن هذا الموضوع الخاص جدا والحساس جدا، من ضمن العناوين المسموح الخوض فيها بأريحية المجرب وخبرة العارف!
مجتمعنا، وللأسف على رأسه معشر كثير من نسائنا، بات عاملا ضاغطا قاسيا على نساء أخريات، تقاوم غالبيتهن حرب الأعصاب على ظروفها بالسكوت وابتلاع المهانة المغلفة بالسلوفان، تأدبا وانكسارا وخشية من فتح أبواب هن في غنى عنها. فيما القليلات فقط ممن يملكن جرأة المواجهة، بالحجة الصارمة والموقف الحاد، المبنيين على قوة الشخصية والتحرر من القيود الاجتماعية البالية، التي تجبر كل فتاة أو امرأة لم تكتمل لديها الدائرة بعد، إلى الوقوف في قفص الاتهام.
منذ متى أصبحت النقيصة على هيئة رجل للسترة، أو طفل في الأحشاء أو بيت لم تكتمل أركانه، في ظل وجود أمراض اجتماعية وسلوكية خطيرة تعاني منها البيوت المغلقة على قصص تندى لها الجبين، إنما جدرانها من الطوب المسلح بحكمة العرف المتوارث، والنظام المجتمعي الكاذب؟ هؤلاء النسوة، ولا أتحدث اليوم عن الرجال لأن الخبر وما واء الخبر يأتيهم على البارد المرتاح، لو أن الواحدة فيهن تنظر فقط إلى محيطها الضيق الذي تعيش فيه، وبأمانة وموضوعية، لارتابت ألف مرة قبل أن تطرح سؤالا محرجا لفتاة أو امرأة غير محظوظة، باكتمال العناصر الحياتية المعلومة والمحفوظة كدرس الجغرافيا الثقيل. لو أن كل واحدة فيهن تشكر ربها على نعمة الاستقرار الذي كما يبدو ظاهرا للعيان، وهو استقرار جبري وإجباري حسب تصنيف أبسط قواعد السعادة لغالبية بيوتنا، لكان أفضل لها ولنا صراحة!
لن أخوض في حديث وشعارات دور المرأة وحريتها، ووصف أسباب نجاحها وسعادتها الحقيقية، لأنه من الواضح أنه مجرد كلام جميل نردده للبيع. إنما وحين تكون الحقيقة حقيقة واقعة، تتلاشى الشعارات وتخبو الأغنيات أمام لمعة حزن واحدة، في عين امرأة لم تنج بعين الناس!