حرب تخفيض كلف الإنتاج

‬ما يعانيه الصانع الأردني اليوم من تحديات للنهوض باستثماراته يستحق الوقوف عليها من جهة، ورفع القبعة لصموده في العمل في ظل بيئة أعمال مثقلة بالأعباء والتشوهات التي أدت في مجملها لتراجع تنافسية السلع الوطنية أمام نظيراتها الأجنبية التي تحظى بأشكال مختلفة من الدعم المباشر وغير المباشر من جهة أخرى.اضافة اعلان
أكبر تحد يواجه الصناعة الوطنية والتي تخوض حروبا معنوية لمواجهته، هو ارتفاع تكاليف الإنتاج والذي ألقى بظلاله على تنافسية الاقتصاد الوطني بمجمله، وهذا مرتبط أساسا بارتفاع كُلف الطاقة والعمالة والنقل والتمويل.
الحكومة مطالبة بتخفيض كُلف الطاقة عن الصناعة الوطنية والتي تبلغ في بعض الأحيان ما يقارب الـ40 بالمائة من كلف الإنتاج الصناعي، ويكون ذلك من خلال اما بتخفيض التعرفة المباشرة الممنوحة للقطاع الصناعي المستهلك، أو من خلال دعم نقدي مباشر.
الحُكومة مطالبة بإعادة النظر في كُلف العمال وذلك بمراجعة تأمينات اشتراكات الضمان الاجتماعي التي تعتبر من اكبر الاشتراكات في المنطقة، والتي كانت على الدوام احدى مطالب الإصلاح المالي والاقتصادي للمملكة حتى من الجهات المانحة والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي الذي يرى بمثل هذه النسب كُلفا كبيرة تؤثر سلبا على تنافسية بيئة الأعمال المحلية، والحكومة اختبرت هذا الأمر خلال جائحة كورونا عندما تم تخفيض نسبة اشتراكات الضمان الاجتماعي وكيف أثر إيجابا على حركة القطاعات الاقتصادية المختلفة.
أما النقل فهو القديم الجديد والمشاكل هي ذاتها دون حل منذ سنوات طويلة للأسف، فالقطاع اليوم بأمس الحاجة إلى استراتيجية وطنية متكاملة تطبق على مدى خمس سنوات لحل جميع التشوهات الحاصلة في القطاع تحديدا فيما يتعلق بالشحن البري.
وفيما يتعلق بالتمويل وارتفاع كُلفه فإن المطلوب اليوم هو الاستمرار في توفير نوافذ تمويلية للقطاعات المستهدفة وبأسعار فائدة تفضيلية، وهذا كان واضحا في النافذة التمويلية الأخيرة التي وفرها البنك المركزي للتصدي لجائحة كورونا والتي كان لها أثر إيجابي كبير في الصمود والنهوض أيضا للعديد من القطاعات المستفيدة منها.
ان دعم الصناعات الوطنية ضرورة ملحة وأولوية وطنية اقتصادية للدول، والكل يعلم جيدا انه لولا الصناعات الوطنية لكان وضع المملكة في ظل جائحة كورونا في غاية السوء، لكن المفاجأة ان القطاع الصناعي لبى احتياجات السوق الداخلي بغالبية احتياجاته الأساسية في ظل إغلاق المعابر والحدود، وانطلق أيضا بقوة لأسواق في المنطقة والعالم، وهو ما شكل مفاجأة إيجابية لمرجعيات عليا في الدولة، حيث كان السؤال المؤشر حينها، أيعقل ان يكون هذا كله في الصناعات الموجودة بالأردن؟، نعم كان الجواب.
الصناعة الوطنية لا تحتاج اليوم إلا لأمور إدارية وإجراءات تضمن لها العدالة في المنافسة، فقد أثبتت جودتها وتنافسيتها العالمية، وهي تحتاج داخليا لإنصافها من الإغراق الذي تسلل عبر اتفاقيات تجارة حرة والتي خلقت تشوهات في المهارات التنافسية بين الأردن والعديد من الدول، ناهيك عن إجراءات غير عادلة في التخمين والتفتيش وغيرها من الأمور التي تحتاج اليوم إلى ضبط وعدالة في تصنيفها وتبويبها مع نظيراتها التي تدخل للأسواق المحلية.
لا يمكن للاقتصاد الوطني ان يحقق النهضة أو النمو المطلوب دون تدخل حكومي في وضع خريطة لتسهيل وتبسيط كافة الإجراءات التي تضمن عدالة المنافسة، من جهة وتقليل كلف الإنتاج من جهة أخرى.